خبرعاجل – بيروت – متابعات – حسين الفيفي
ورقة نقدية من فئة المائة دولار وسلّمها في الوقت الذي كانت فيه بسمة تراقب، وخوفها يتصاعد. تلك كانت المرة الثالثة في عام واحد التي يتم فيها شراؤها وبيعها من قِبل مسلحي داعش، لكن هذا الرجل كان الأكثر رعباً. تتذكر آسرها الجديد، قائلة: “لقد بدا وكأنه وحش”. لكن عندما وضعها في السيارة، فعل شيئا فاجأها: سألها عن اسمها، ثم وعد بتحريرها.
“قال لي: لا تخافي. لقد عشت ما تعيشينه. لقد سُجنت. وشعرت بالجوع والعطش. لا تقلقي، حتى لو كانت أمك تعيش تحت الأرض، سأجدها وأعيدك إليها”.
تلك اللحظة قلبت مفهوم بسمة لعالم كان بالفعل مقلوباً رأساً على عقب. آسرها كان أحد أفراد داعش التي هاجمت قواتها موطنها العراق والدولة المجاورة، سورية، وسيطرت على مساحة واسعة فيهما.
إنها من الإيزيديين ـ أتباع ديانة توحيدية قديمة تصف داعش أتباعها بالكفرة ـ الذين لفتوا انتباه العالم عندما اقتحم المتطرفون معقلهم في مقاطعة سنجار العراقية في عام 2014. أكثر من 200 ألف إيزيدي تمكّنوا من الفرار، لكن نحو خمسة آلاف منهم، مثل بسمة، تم القبض عليهم واسترقاقهم. وتم اغتصاب كثير من النساء اللواتي تم أسرهن، وذبح مئات إن لم يكن آلاف الرجال.
لكن كما تُظهر قصة بسمة وغيرها من النساء، حتى في ظل حكم داعش القاسي، فإن عددا متناميا من الناس خاطروا بحياتهم على مدى العام الماضي لمساعدة الإيزيديين على الفرار. لقد تمكّن نحو ألفي شخص من الهرب، سواء وحدهم أو بمساعدة آخرين، وذلك وفقاً لمجموعات مؤيدة للإيزيديين. لحماية أولئك الذين ما زالوا في الأسر، وأولئك الذين يعملون من أجل تحريرهم، تم تغيير الأسماء في هذه المادة وبعض الأماكن لا يُمكن تحديدها.
أولئك الذين يُساعدون هم جزء من منظمة واحدة، لكنهم أفراد، حوافزهم تعكس أفضل وأسوأ ما في الدوافع البشرية. بعضهم من مسلحي داعش أنفسهم، يعملون مع خلايا سرية لتحرير الأسرى. ومعظمهم يعمل وحده، متى وجدوا فرصة سانحة لتحقيق مكاسب مالية من خلال تحرير الأسرى وإعادتهم إلى عائلاتهم مقابل فدية تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات.
وهناك عدد قليل نادر من الغرباء الذين يدفعهم خيار المساعدة، وهم يفعلون ذلك لأنهم يستطيعون.
تحدثت بسمة معنا لأول مرة في آب (أغسطس) الماضي في مخيم لاجئين مترامي الأطراف في إقليم كردستان شمالي العراق. كانت الصراصير تزحف على الجدران المتداعية خلفها، حين قدّمت قطعا من الشكولاتة لشراء صمت أطفالها عندما قفزوا إلى حضنها. قالت بسمة: “لم أكن أخشى الموت بقدر ما كنت أخشى فقدان أطفالي. هذا كان قدري. العالم كله يعرف أن هذا خطأ، وأن الله لن يقبل هذا الظلم. لكن كان أمراً مُقدّراً”. لا تستطيع التخلص من ذكريات ما تعرّضت له خلال عامها في أسر داعش، ولا تستطيع التوقف عن التفكير بشأن أشقائها وزوجها، الذين لا يزالون مفقودين. وتحيط عينيها هالات سوداء من الليالي الطويلة بلا نوم.