اللواء الركن م/ حسين بن محمدمعلوي .
إن من المفترض ان لا يغيب عن اذهان مجتمعنا ماتناقلته وسائل الإعلام ومنها وسائل التواصل الإجتماعي قبل فتره وتعليقاتها عن خبر عفو المواطن السعودي / سعد بن محمد بن عبدالله الشهراني عن قاتل ولديه الإثنين ، مسطرا بذلك اروع وأجرأ وأشجع قرار يمكن ان يتخذه إنسان في دار الحياه .. في زمن صار بعض أفراد المجتمع السعودي وبعض مشائخه ووجهائه يتآجرون للأسف بدماء ابنائهم أو اخوانهم أو آبائهم أو بني عمومتهم باعتبارهم أولياء دم المغدورين او المقتولين أو الواقعين في دروب الشر والضياع ، حيث وصلت هذه التجاره الى عشرات الملايين وصار لها سوق سوداء يقودها سماسرة محترفون يجلسون في صدور المجالس في المناسبات العامة والخاصة . إن من المحزن أن هناك من أفراد المجتمع من حولوا السعي بالإصلاح الى تجارة وأتعاب لها مقابل مادي يأخذون عليها أجرا ولها شروط على رأسها مبالغ تدفع كاملة او بعضها لهؤلاء الوجهاء حتى ولو لم يحصلوا على اَي نتيجه ، ونستثني من ذلك الشرفاء منهم الساعين الى الإصلاح بنية سليمه ومقاصد نبيله وشريفه وهم يريدون بالإصلاح وجه الله دون سواه . إن من المؤسف أن بعض قضاة المحاكم يتواجدون بدفاترهم بحسن نيه وسط جموع الوجاهة والجاهيه والجاهليه وهم يضبطون تلك المبالغ الخيالية في محاضر الصلح أو في جلسات المقاضاه ثم تسجل رسميا فِي صكوك الحكم الصادرة من المحاكم الشرعيه على مبدأ ” الصلح خير ” ، بل إنه بهذا الشكل شر وظلم للأفراد والمجتمع ومخالفة تلو اخرى لتوجيهات ولاة الأمر حفظهم الله وأدام عزهم وأدام استمرار نصرتهم للإسلام والمسلمين . وبالتالي صار الخيار امام ذوي السجين ” الذي قد يكون مظلوما وقد يكون ظالما لنفسه واهله ومجتمعه ودينه ” إما القصاص أو دفع عشرات الملايين .. التي قد تكون مابين السبعين والعشرين مليون ريال سعودي او اقل او اكثر . وهذه مأساة حقيقيه تهز أركان استقرار المجتمع السعودي الذي ورث عن آبائه وأجداده خصال التسامح والعفو والصفح لكسب رضى الخالق والمقدر لوجاهة ولاة الأمر والخيرين النبلاء الساعين بين الناس بالإصلاح لدرء الفتن ومنع وقوعها ..
وهنا اعود الى المواطن الرمز المدعو/ سعد بن محمد بن عبدالله الشهراني …..
الذي ضرب اروع الأمثلة بعفوه عن قاتل ولديه ، لقد ذهب هذا الرجل الى ابعد من مجرد العفو ،
فقد أصر على أن يحضر والد القاتل مجلس العزاء
وأجلسه بجانبه ليفهم كل من لديه لُب وعقل بأن والد الأولا المقتولين لا يريد ثأرا ولا مالا ولا قصاصا ولا جاها ولا سلطانا ، وإنما يريد بتنازله وجه الله والدار الآخره وسن سنة حسنه ليس الا … قال تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) … اذن هذا الرجل المحتاج فعلا للمال لظروفه الإقتصاديه آثر ما عند الله على ما عند البشر لأن ما عند الله خير وأبقى … هكذا معادن الرجال الحقيقيين اذا مالت عليهم أقدار الله وأظلمت الدنيا في أعينهم … نهضوا لا تهزهم رياح تلك المصائب رغم قوتها ليكونوا كالجبال الشامخة
في علوها وصلابتها … انهم كالنفيس من المعادن ، كلما يصقل يزداد لمعانه … فلله در هذا الرجل المدعو” سعد بن محمد بن عبدالله الشهراني ” . لقد سطر اروع الأمثلة التي يجب ان لا تغيب عن الذاكرة في التضحية والفداء . إنه بهذا العفو قد تقيد قولا وفعلا بما ورد في الكتاب والسنه ، لأنه قام بوأد الفتنة في مهدها ،
وحافظ على اللحمة الأسرية والوطنيه وحفظ أهله وربعه وعشيرته من الإنقسام والثأر والإنتقام والفتنه وقطع صلة الأرحام ومنع زرع الأحقاد بين ابناء الجيل القادم . إنه لم يستغل مقتل ولديه ويعطي النور الأخضر لسماسرة الفساد في الحصول على الملايين للوجاهة والثراء كما فعل غيره … ولكنه آثر ما عند الله على ما عند غيره فما عند الله خير وابقى وما عند غيره زائل ويفنى .
إن المجتمع السعودي يعرف الكثيرين ممن هم وراء القضبان ينتظرون الفرج من الله ثم من الخيرين على كل المستويات ولعل احدهم ممن اعرفهم حكم عليه بالقصاص او بدفع ( ٣٠) مليون ريال وهو مبتلى والآخر حكم عليه بالإعدام او بدفع (٥٠) مليون ، وذاك يطلب (٧٠) مليون … الخ والسؤآل هو كيف يُؤْمِن أهل وذوي هؤلاء المساجين المحكوم عليهم بالإعدام هذه الملايين !!! ؟؟؟ . لقد لجأ البعض الى طلب الفزعة من قبائلهم التي يعتبر اكثر منسوبيها في نادي الضمان الإجتماعي ومع ذلك استلفوا وتسالفوا ( استدانوا وتداينوا ) وتسابقوا لدفع ما طلب منهم حتى لا يقال بأن فلان ناقص في المواجيب ( الواجبات ) .. والكثير في حقيقة الأمر يصنفون كفقراء أو متوسطي الحال في إمكانياتهم ….
إنني لا أشك لحظة بأن هذا الغبن في تضخيم الديات سيسقط حتما لأن الدولة السعوديه وحكومتها الرشيده التي يقودها خادم الحرمين حفظه الله لن ترضى بهذه الديات التي تدخل في مسار الفساد الحقيقي …
إن الكثيرين يتسائلون أليس بلدنا يحكم بشرع الله ؟ – أليس هناك دية شرعية للإنسان …؟ . اذن لابد من الإلتزام بها في كل مناطق ومحافظات المملكه وان كانت قليله فترفع بعرض من المفتي أو هيئة كبار العلماء أو مجلس القضاء الأعلى لولي الامر للنظر فيها ، لماذا يتجور ( يطلبون الحمايه ) الناس افرادا وجماعات عند حدوث أي قضيه بغيرهم من الأسر او القبائل لحمايتهم من الطرف الآخر !!! أليس لدينا دولة قوية بالحق وقوانين وحكم بشرع الله ؟ . الجواب بشكل قطعي ( نعم ) أوليس كثير ممن هم في السجون من المفسدين في الأرض الذين تنطبق عليهم أوصاف المفسدين التي أوردها الله في كتابه الكريم وأوردها النبي المصطفى في سنته ؟؟ . إذن ما دام الأمر كذلك ، فلماذا يسير المجتمع في الإتجاه الخاطئ وله أولياء أمور أخيار يدافعون عن الحقوق والمصالح للفرد وللمجتمع … نحن جميعا في حماية الله ثم في حماية ولاة الأمر وحكومتهم الرشيده ، وهذه الملايين التي تدفع لإنقاذ أشخاص بعضهم يتقاتلون على نصيبهم في بيع المخدرات او السرقه ويتفاخرون بالإعتداء على النفس او المال او العرض ويستخدمون السلاح لأتفه الأسباب دون اي اعتبار للحرمات اوهيبة الدولة او القوانين وأحكام الشريعه أو حتى العادات والتقاليد الحميده.. إن أمثال هؤلاء يجب أن لا يكون لهم مكان بيننا في هذا الوطن لأنهم أهل فتنة… لقد كانت قوانين القبائل قبل قيام الدولة السعودية الثالثه تنص على ان الفزعة فقط للمبتلى في ماله أو عرضه او نفسه وليس لمن يخون الأمانة ويفسق ويسرق ويغسل الأموال ويعيث في الأرض فسادا . وعلى ان يتحمل المعتدى جزء من تكاليف الغرم قد تكون ربع غرم الجناية أو الجريمه أو ثلثها ، بينما في هذا الزمن يقترف الجاني جنايته ثم ينسى ما قام به من جريمه لأن فزعة الربع والقبيلة والسماسرة ستتكفل بتلك الديه التي تصل الى الملايين وتشارك فيها قسرا الأرامل والأيتام لأن شيخ القبيلة الضعيف المجامل أو القوي المستهتر ووجهائها الذين يتحملون مسئولية كبيره حيال ما يحدث انتخوا بمنسوبي القبيله ثم فكروا وقدروا ثم فرضوا الغرم على الضعيف الفقير قبل القوي القادر .. والله المستعان .
… وبعد ذلك كله فإن من يعفوا لوجه الله مثل شيخنا سعد بن محمد بن عبدالله الشهراني ووكيله الذي شجعه على دروب الخير والعفو الأستاذ المربي سعيد بن طارش آل حسن الشهراني .
وامثالهم من شيوخ العفو عند المقدّره في كل بقعة من وطننا الحبيب المملكة العربية السعوديه هم من يستحقون التقدير والإحترام إفتخارا بما قاموا به ويعجز عنه غيرهم ، نعم هم اللذين يستحقون أوسمة العفو وأوسمة الوطن وهم من يستحقون شرف مقابلة ولاة الأمر حفظهم الله ، ولقد أحسن أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز عند استقبالهم لشيخ العفو / سعد بن محمد الشهراني ووكيله الشرعي سعيد بن طارش آل حسن الشهراني لشكر العم سعد على هذه الخطوة الجباره التي شجعه على اتخاذها معدنه الأصيل وحسه الوطني ووكيله الناشط الإجتماعي المتميز سعيد بن طارش . إن المجتمع السعودي في امس الحاجة الى تدخل السلطات القضائية والأمنية والإجتماعية لفرض ما يتفق مع شرع الله من اجل حفظ أمن وسلامة الوطن والمواطنين … وبالتالي فإن المطلوب سرعة دراسة هذه الظاهره المخيفه والغريبة على مجتمعنا من جميع جوانبها واتخاذ قرارات حازمه حيالها حتى لا يبكي المجتمع دما ودموع … اللهم احفظ هذا الوطن ومواطنيه وولاة أمره من كيد الحاقدين وجهل الجاهلين .. وعشت أيها المواطن الصالح الحر الأبي سعد بن محمد الشهراني وأمثالك من كوكبة شيوخ العفو في هذا الوطن الغالي.
اللواء الركن متقاعد / حسين معلوي.
قائد درع الجنوب لعام 2009م
التعليقات 5
5 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
يوسف عسيري
06/07/2018 في 4:24 م[3] رابط التعليق
نسال الله العظيم في هذا اليوم ان يجزيه خيرا وان يخلف عليه فيهم خير خلف وان يجبر خاطره ووالدته وجميع اهليهم ومن سعى بخير في هذا الجانب الخيري الفريد وليس من السهل التنازل الا لمن امن واتقى وابتغى ماهو خير وقدم الاخرة الباقيه على الدنيا الفنيه واختار ( فأجره على الله ) واسكر سعادة اللواء لتطرقه لهذا الموضوع الهام وقال كلام يبهج النفس ويسر الخاطر وتقر الاعين بوجود مثل الشيخ سعد الشهراني ومن عاونه من اسرته واقاربه ومبيه على اتخاذ قرار العفو وهذا دليل قوة ايمانه وحجم تضحيته وابتغاءه الاجر وسيجدها في دنياه قبل اخرته
شكرا سعادة اللواء وانت سباق في نشر مواضيع اجتماعيه وعسكريه هامه باساليب راقيه وفقك الله
ل / حسين المنقاح
06/07/2018 في 5:28 م[3] رابط التعليق
كلا جميل وفي محله بارك الله فيك سعادة اللواء وما ذكره قبلي الاخ يوسف عسيري كافي فقد اوجز واجاد واشاد
شكرا لكما
سعد ال دايل
07/07/2018 في 2:22 ص[3] رابط التعليق
نعم الرجل الصالح لدينه ووطنه وولاة أمره … رافعا بحكمته وصبره وشجاعته رأس كل مواطن صالح
هذا الرجل يقول لمجالس الصلح الخفية التي تسعئ قبل أن تطلب يقول لهم
( كفى كذبا على انفسكم وعقلاء الوطن وكفى متاجرة بالدماء ) هذا مضرب العفو والصلح ولكن بتوفيق من الله ثم برجاحة عقل وشجاعة رأي واتخاذ قرار
ما اجمل المقال وصاحبه قائد ميداني عرف الحروب وخاضها وسبر الرجال
لا يحب الأبطال إلا أمثالهم
بقيادة عادلة في بلد العطاء نفتخر
بشيخ المحسنين والعفو عند المقدرة
سعد ال دايل
الجوهره
07/07/2018 في 11:21 ص[3] رابط التعليق
الله يجزاه الجنة ويعوِّضه خير وكثر من امثاله
محمد ألن حمود
08/07/2018 في 10:29 ص[3] رابط التعليق
الله يجبر قلبه ويجمعه بهم في دار كرامته وهذا من يريد الاخره نسأل الله ان يجزل له العطاء