جمال بنت عبدالله السعدي
من الطبيعي جدا أن يشعر أي مواطن في بلاده أنه آمن كمن هو في بيته، و من البديهي أنه آمن في بيته كمن هو آمن في سربه .
يتنقل بين مختلف الأماكن وفي الشوارع ، في الحقول وعلى الجبال و الشواطيء والمزارع، يستلقي تحت الشمس وفي الظل على شاطيء البحر أو على ضفة النهر ، تحت شجرة أو على مقعد حديقة عامة.
يرتبط بهذه الأرض وتمتد جذوره في أعماقها. وإنه لشعور يفتقر إليه المغترب عن أرض آبائه وأجداده مهما امتد به العمر ، كاللاجيء إلى دول مجاورة، او مهاجر الى قارة تبعده عن دياره بحار و محيطات للعمل أو الدراسة أو النأي بنفسه عن أزمات في وطنه الأم أيا كانت . لا يشغل باله أنه مجرد عابر سبيل كمن لا جذور له مهما اجتهد وبذل .
ولكنا لو أمعنا التفكر في الأمر لوجدنا أن الأرض أرض الله ، والعباد عباد الله، وما المسؤولين في دول قُسِّمت أو نشأت أو اكتشفت فيمنحون جنسيتها لساكنيها ليغدو مواطنيها، ويديرون الأمر فيها ،ويدبرون أوضاعهم لتحقيق الرفاه كالتنمية والصحة والتعليم ، وخلق فرص العمل ، وإنشاء الصناعات و تقديم الخدمات ، إلا وظائف وأدوار ينبغي القيام بها لحفظ الأمن والإستقرار فيها ، وتأمين الحياة الكريمة والأرزاق لهم ، و حماية الحقوق و أداء الواجبات كل في موقعه .
ومن هنا تنشأ العلاقات بين الدولة والمواطن ، وبين الدول وجيرانها، فتدار المصالح و تشتعل المواجهات لفرض النفوذ والسيطرة على مصادر الرزق و عناصر القوة ، و تشكيل الأحلاف للضغط والاستحواذ بدعوى ضمان الأمن والاستقرار – حقيقة أم ذريعة – ومن هنا أيضا تنشأ مشاعر الولاء والانتماء او العداء بين الشعوب والأفراد، وتلتهب المواقف وتشتعل الحروب ما لم يكن للبلاد قادة يفرضون الاحترام ويراعون الحدود ويحفظون الحقوق.
واعجب لم لا تقام العلاقات ضمن هذا الاحترام ،وضمن هذه الحقوق والحدود وتنأى الدول عن قتل الانسان اينما كان ،وتقام المصالح وتعقد الاتفاقيات لكل بلد بما يحقق مصالحها وامنها و الرفاه لشعبها ، وبالتالي يتحقق الأمن والسلم الدولي دون اعتداء ودون تدمير وقتل ،و دون فتك بالنسل والزرع ،والفساد بالأرض وسفك الدماء؟!!
لطالما جال هذا السؤال في ذهني منذ الصغر وقد قرأنا جميعنا كتب التاريخ و تعلمنا في مناهجه قصص الحروب والاقتتال والصراعات بين الدول عبر الزمن و بين مختلف الحضارات .
قد يكون تساؤلا ساذجا ولكنه لا يزال يلح بطلب الإجابة .
لا نزال بحاجة لبسط الأمن والأمان بالعالم أجمع.
فيحزننا صور اللاجئين الى بلاد الغربة مكرهين للنجاة بأرواحهم، ويؤلمنا صور القتلى والجرحى ، و الدمار والدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق .
الى متى ومنظمات دولية نشأت وهرمت دون أن تنجز ما أُنشئت لأجله ؟؟!!
مليارات الدولارات تنفق على الحروب والتسلح ،لا يستفيد منها إلا مصنعوها و تجارها ومشعلي الحرائق في كل مكان . بينما لو أنفقت على رفاه الإنسان وسلامته وتعليمه وصحته وازدهار الأوطان لعاش العالم بأمان .
دعوة للسلام الحقيقي لا يكون بالاستسلام للقوي بل هو بالإعتراف بالحقوق ،واحترام للحدود، وقبل هذا وذاك احترام حق الانسان بالحياة الكريمة الآمنة فهو الذي كرمه الله وجعله خليفته في الأرض . ولو تُرك الأمر لنفسه لأدار حياته ، وتأقلم مع بيئته ، وبنى حضارته ، وأنشأ تحالفاته وتبادل المصالح مع أخيه الإنسان كما يفترض أن يكون . وهذا ما يظهر عليه في تعامل الانسان مع أخيه الإنسان حيث يتلاقى معه في اي تجمعات بشرية أومناسبات اجتماعية أو عملية، بغض النظر عما تحمله الأخبار عن اقتتال هنا أو صراع هناك .