عهودآل شاكر- اقتباسات
“حياته مع د.واطسون “
هولمز وواطسون كما رسمهما سيدني باجيت في قصة “ذو الغرة الفضية”
قضى هولمز أغلب سنوات عمله كمحقق استشاري مع صديقه المقرب وكاتب سيرة حياته، الدكتور جون هـ. واطسون، الذي عاش مع هولمز فترة طويلة قبل أن يتزوج في 1887م من “ماري مورستان”، ثم عاد للإقامة معه مرة أخرى بعد وفاة زوجته.
المنزل الذي أقاما فيه في شارع بيكر كان ملكًا لأرملة تدعى “السيدة هدسن” التي كانت مسؤولة أيضًا عن صيانته.
كان لواطسون مهمتان رئيسيتان في حياة هولمز، المهمة الأولى: أنه كان بمثابة اليد اليمنى له، فبالإضافة إلى تقديم المساعدة لهولمز في الجزء الطبي من التحقيقات -بحكم كونه طبيبًا-، كان واطسون يقوم بمهمات مساعدة أخرى، كالبحث، والتنكر، والمراسلة بالنيابة عنه.
المهمة الثانية: أنه كان كاتب سيرة حياته، وتفاصيل القضايا التي يحلها (أو “بوزويل الخاص بي” كما يسميه هولمز نسبة إلى جيمس بوزويل، كاتب السير الذاتية المشهور). معظم القضايا التي حلها هولمز دُونت من قبل واطسون، على شكل قصة تلخص مراحل سير القضية، كان هولمز ينتقد أسلوب واطسون في الكتابة ويصفه بالعاطفي والشعبوي (السوقي)، مضيفًا إلى ذلك، أن أسلوب واطسون يفتقر إلى الدقة والموضوعية في توثيق “الجانب العلمي” من القضايا.[10]
صداقة هولمز وواطسون كان أهم علاقة في قصص وروايات كونان دويل. في العديد من القصص، وبالرغم من حالة تبلد المشاعر الواضحة لدى هولمز، إلا أن تقديره واحترامه لواطسون سرعان ما يظهر بوضوح. عندما أصيب واطسون بطلق ناري، أبدى هولمز تعاطفًا واضحًا مع صديقه المصاب، رغم أن الإصابة كانت سطحية، وقد كتب واطسون عن مشاعر هولمز قائلًا أن الأمر كان يستحق أن تُصاب من أجله.[11] وبشكل عام، ظل هولمز يعمل محققًا استشاريًا طيلة ثلاث وعشرين عامًا، وثق منها د.واطسون سبعة عشر عامًا.[12]
“التوقف الكبير”
كتب كونان دويل المجموعة الأولى من قصص هولمز على مدار عشر سنوات، وسعيًا منه لتوفير وقت لكتابة رواياته التاريخية، فقد قرر قتل هولمز في قصة “المشكلة الأخيرة”، التي كتبها عام 1891م، بينما لم تمثل للطبع إلا بعد ذلك بعامين. لم يتقبل القراء هذا الأمر بسهولة، وظلوا على مدار ثمانية أعوام يرفضون مافعله كونان دويل ويطالبونه بإعادة هولمز للحياة، وهو ماتم بالفعل، حيث نُشرت رواية “كلب آل باسكرفيل” عام 1901م، والتي تدور أحداثها ضمنيًا في فترة ماقبل وفاة هولمز (تتحدث بعض النظريات عن أن أحداث هذه الرواية وقعت بعد عودته للحياة في “مغامرة المنزل الفارغ” فعلًا لكن واطسون وضع قرائن أشارت إلى العكس).[13][14] في 1903م، نشر كونان دويل قصة “مغامرة المنزل الفارغ” التي بدأ كتابتها في 1893م، والتي يعود فيها هولمز للظهور مرة أخرى، ويشرح لواطسون المذهول كيف أن قصة وفاة هولمز في “مغامرة المشكلة الأخيرة” ماهي إلا مجرد خدعة استخدمها للإطاحة بأعدائه. تعتبر “مغامرة المنزل الفارغ” بداية المجموعة الثانية من قصص هولمز، والتي استمر كونان دويل في كتابتها حتى 1927م.
عشاق هولمز يطلقون على الفترة مابين 1891م إلى 1894م -الفترة بين وفاة هولمز في “المشكلة الأخيرة” وعودته للحياة في “مغامرة المنزل الفارغ”- اسم “التوقف الكبير – Great Hiatus”.[15] الاستخدام الأول لهذا المصطلح كان من قبل الكاتب إيدجار
و سميث في مقال بعنوان “شرلوك هولمز والتوقف الكبير” الذي نُشر في عدد يوليو 1946م من مجلة “بيكر ستريت جورنال”. وعلى الرغم من ذلك، فإن قصة “مغامرة وستيريا لودج” قد وقعت أحداثها عام 1892م، -خلال فترة التوقف الكبير- بسبب خطأ من جانب سير كونان دويل.
“حياته بعد تقدمه في السن”
ذُكر في قصة “قوسه الأخير” أن هولمز قد تقاعد وانتقل للعيش في مزرعة صغيرة في “ساسكس داونز”، إلا أن تاريخ هذا الانتقال غير محدد بالضبط، لكنه من المفترض أن يكون قرابة عام 1904م. وقد اتخذ هولمز من هوايته في تربية النحل كوظيفة أساسية تلتهم معظم وقته، وقد كتب مرجعًا عمليًا عن ثقافة النحل، مصحوبًا بملاحظات عن سلوك الملكة.
كما تظهر القصة أن هولمز وواطسون قطعا فترة تقاعدهما في المزرعة مرتين: الأولى للمشاركة في المجهود الحربي أثناء الحرب العالمية الأولى. والثانية أثناء “مغامرة عرف الأسد” التي رُويت بواسطة هولمز نفسه، ووقعت أحداثها أثناء فترة تقاعده. تفاصيل وفاة هولمز غير معروفة.
“عادات وملامح شخصية هولمز”
وصف واطسون هولمز بأنه بوهيمي في عاداته وأسلوب حياته، ووفقًا لواطسون، فإن هولمز شخص غريب الأطوار، لايضع أي اعتبار للمقاييس المجتمعية فيما يتعلق بالترتيب والتنظيم، فما يبدو للآخرين فوضى أو هباء لا قيمة له، يراه هو ثروة من المعلومات المفيدة. وطوال سير أحداث القصص، كان هولمز دائمًا ما يغرق في الفوضى الخاصة به من مستندات وأوراق ومصنوعات يدوية، من أجل العثور على شيء يفيده في حل اللغز الذي يعمل عليه، في “كلب آل باسكرفيل” وصفه واطسون بأنه شبيه بالقط في حرصه على نظافته الشخصية.
كتب واطسون عددًا من الملاحظات حول عادات هولمز الغذائية، فذكر أنه لم يكن يهتم بأمر الطعام، وكان إذا استغرق في التفكير، فإنه ينسى أمر الطعام لساعات متواصلة، حتى يبدو الأمر كأنه يجوّع نفسه،كما وصفه واطسون في “مغامرة بنّاء نوروود”.[16]
سيدني باجيت، رسام مجلة ستراند الذي ساهمت رسوماته في صياغة أيقونة هولمز وواطسون بشكلها المعروف.
كانت عادة هولمز أن يدخن الغليون، بينما لم يكن يستخدم السجائر بشكل متكرر، لم يورد واطسون أثناء توثيقه لحياة هولمز استخدامه للغليون على أنه أمر سيء. ومع ذلك، فقد كان واضحًا أن واطسون لديه حدود شخصية يلتزم بها أكثر مما لدى هولمز، وأحيانًا كان يوبخ هولمز على خلق “أجواء سامّة” بتدخينه للغليون في الغرفة،[17] وقد أشار هولمز إلى علمه بذلك في “مغامرة قدم الشيطان”.
كذلك، فلم يشجب واطسون أو يستنكر استعداد هولمز لعنق الحقيقة أو تجاوز القوانين من أجل مصلحة موكليه وزبائنه (كالكذب على الشرطة، أو إخفاء الأدلة، أو اقتحام المنازل والملكيات الخاصة) مادام يمكنه تبرير ذلك أخلاقيًا.[18] إلا أن واطسون لم يغض الطرف عن مخططات هولمز تلك عندما يتعلق الأمر بالتلاعب بالأشخاص الأبرياء، كما فعل هولمز -مثلًا- عندما تلاعب بقلب ومشاعر امرأة شابة في “مغامرة تشارلز أغسطس ميلفرتون” على الرغم من أنه قد حمى أموالها من أن يسرقها ميلفرتون.
ظهر هولمز في بعض القصص نيابة عن الحكومة البريطانية في مسائل متعلقة بالأمن القومي،[19] كما قام ببعض مهام مكافحة التجسس في قصة “قوسه الأخير” التي كُتبت قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى. في أوقات ضجره، وباستخدام مهارته في إطلاق النار، زين هولمز جدار مقر إقامته في شارع بيكر بالرمز “VR” (والذي يرمز لـ”Victoria Regina” وهي كلمة رومانية تعني: الملكة فكتوريا) مستخدمًا رصاصات أطلقها من مسدسه من طراز ريفولفر.[8]
كان هولمز يتمتع بثقة زائدة وغرور قاتل يصل أحيانًا إلى حدود الغطرسة، وإن كان هذا الأمر مبررًا، فهو دائمًا ما يرى بعينيه محققي الشرطة يقفون عاجزين أمام استنتاجاته المذهلة، ومع ذلك فهو لم يكن باحثًا عن الشهرة، فعادةً ما كان يسمح لرجال الشرطة أن يحصلوا على كل التقدير والثناء حتى ولو كانت القضية حُلّت بفضل استنتاجاته.[20]كانت مكاتب الشرطة خارج لندن تطلب مساعدة هولمز عندما يكون بالقرب منهم، حتى أثناء إجازته.[21] فقط عندما كان واطسون ينشر تفاصيل القضايا كان دور هولمز يبدو واضحًا، وبسبب منشورات واطسون ومقالات الصحف، صار هولمز معروفًا كمحقق جيد، وصار الناس يطلبون مساعدته بدلًا من -أو بالتوازي مع- الشرطة،[22] ويشمل ذلك موظفي الحكومة وأفراد العائلة الملكية. تذكر الروايات والقصص أن رئيس وزراء بريطانيا،[23] وملك بوهيميا،[24]زار كل منهما هولمز في مقر إقامته في 221ب شارع بيكرطالبين مساعدته، كذلك، فقد منحته الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف لمساهمته في حل إحدى القضايا،[25]وقد رفض هولمز لقب الفروسية عن “خدماته المجهولة التي ربما تظهر للعلن يومًا ما”.[11] تشمل قائمة عملاء هولمز ملك اسكندنافيا أيضًا،[26] إضافة إلى مساعدته الفاتيكان مرتين على الأقل.[27] أصبح هولمز مسرورًا عندما أدرك حجم قدراته الفذة، وبدت استجاباته للإطراء واضحة -وفقًا لملاحظات واطسون- كفتاة معجبة بالتعليقات على مدى جمالها.
مشاعر هولمز وتصرفاته يمكن وصفها بأنها باردة وصلبة، وقلبه كان قاسيًا بحيث أنه وبالرغم من كونه في وسط مغامرة ما، والأخطار تحيط به، كان بإمكانه التألق بعدد من الملاحظات العاطفية التي لا تناسب صعوبة الموقف. هولمز -كذلك- كان موهوبًا في الاستعراض، وكان يتمتع بحضور قوي، كما كان مميزًا في إعداد الأفخاخ التي يمكنه من من خلالها القبض على الجاني متلبسًا، وغالبًا ما يفعل ذلك بطريقة معينة يبهر من خلالها واطسون، أو أحد مفتشي سكوتلاند يارد.[28]
كان هولمز شخصًا انعزاليًا، لا يحب الرفقة -باستثناء واطسون-، في إحدى القصص عندما اقترح واطسون المبيت لدى أحد الأصدقاء والحصول على قسط من الراحة قبل المتابعة، لم يوافق هولمز إلا بعد أن علم أن المضيف كان أعزبًا، وأنه وعدهم الحرية الكاملة.[21] لم يسعَ هولمز إلى تكوين صداقات، بالرغم من قدرته على الاحتفاظ بالأصدقاء، لذا فهو لا يملك أصدقاء كثر، وقد عزا وحدته إلى اهتماماته الغريبة والتي لا يشاركه فيها الكثير من الناس. في “مغامرة جلوريا سكوت” أخبر هولمز واطسون أنه بعد سنتين من الدراسة في الجامعة، نجح في الحصول على صديق واحد فقط اسمه “فيكتور تريفور”. في قصة “مغامرة عصابة الرؤوس الحمراء”، استمتع هولمز بالاستماع إلى عزف الكمان بواسطة العازف الإسباني بابلو دو ساراسته، كما يبدو استمتاعه بالموسيقى الغنائية vocal music -خصوصًا أعمال ريتشارد فاغنر- واضحًا في قصة “مغامرة الدائرة الحمراء”.
يتبع….