محمد الرياني
أمسكت بها “هروب” ، كيف تهربين ؟ قالت ألست أنا هروب ؟ أنت تمسك بالهواء ، برأس جبل ، ببطن واد حيث الحقول في الانتظار ؟ ليس بمقدروك أن تحيط بالتفاصيل ولا اللحاق بالجمال الهارب ، كان الكلام كأحاديث المخاتل وكسارد يهوى التلاعب بالألفاظ وعبارات الغزل ، وجدتها صادقة تجبر على الهروب من جمال إلى جمال ، تهرب من قمة فاتنة نحو قاع تكتب على خضرته قصة أو أسطورة تحتل المكان لتصنع منه ملحمة وتاريخا ، هروب التي ترتوي من السحاب القريب ، وتنداح شلالاتها من رأس الجبل كقصيدة شعر ، و تشرب من باطن الأرض التي تعشق الماء فتحتضنه كي يغادر قلبها عند التقاء المشاعر والأحاسيس ، هروب هي سحر الطفولة الذي عشقته منذ أن كنت طفلا يحفر بيديه عن غيلها ويلطخ كفيه ببطحائها ، وهي التي تفتح كل جمالها لترى قطعة من الكون لبست أجمل الحلل وتعطرت بأروع الشذى ، تبادلنا فيه الوصف والغزل حتى زرعنا بمفرداتنا على أرضها شيحا يعبق بمداخلها ومخارجها وعبيرا يسكن جبالها ، هي البكر التي ولدت لتكون الروعة واللوعة ، والقامة والقيمة ، والأنشودة واللحن الجميل ، هي ناي الشجن الأصيل حين يسري على سفوحها ، وهي أغاريد الصباح حين تنادي الشمس بخيوطها أن تسابقوا نحو أجمل الصباحات ، هكذا تبدو هروب ،محافظة تتكيء على ماض أصيل ، وترنو نحو مستقبل يكتب على اخضرار صفحاتها سطورا من ري أرضها وهتان سمائها .