ما أن تمر بجوار الديرة الموجودة في وسط جادة الجنادرية التراثية في المهرجان الوطني الجنادرية 33 للتراث والثقافة، حتى تستقبلك الرائحة الشهية للأطعمة الشعبية التقليدية في معظم المناطق السعودية، والتي تتفنن في تحضيرها; الشيف الشعبي ابوريان الحمدان تفنن في إبراز تراث الأجداد للجيل الناشئ، من خلال تعريفه بأصناف الطعام المختلفة، التي كانت تتربع على عرش المائدة في الماضي، ليس ذالك فحسب حمل الحرفي ابوريان الحمدان بمنطقة عنيزه عدته وعتاده من صخور وطين وحديد وجذوع النخيل ، مع ما تحمله سنوات العمر من خبرات للجهد والعمل وعمل جاهدا في بناء البيوت الطينيه مطلقاً على جناحه مسمى الديرة ، ليعرّف زوار الجنادرية بالديرة كيف كانت قديما ممثلاً أنواع الحرف و الصناعات اليدوية التقليدية التي اشتهرت بها المملكه قديماً، واستمرت عبر السنين تراثًاً أبدعه الآباء والأجداد, ويفتخر به الأبناء.
وفي كل زاوية من زوايا الديرة تشكل الألعاب الشعبية أحد أهم عناصر التراث الشعبي، وجزءاً مهماً من الذاكرة والوجدان الجمعي لأية أمة، فهي نتاج للتكوين الثقافي والحضاري، وانعكاس للبيئة الطبيعية والجو الاجتماعي السائد في حقبة من الحقب.
ويسهم اللعب إسهاماً فعالاً في بناء شخصية الفرد وصقلها، وتربيتها من النواحي الوطنية والنفسية والجسدية، وتؤدي دوراً في تأطير الموروث الشعبي المرتبط بالحركة والإيقاع والأناشيد والأغاني والدبكات والرقصات.
والألعاب الشعبية عامل مساعد في انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل لآخر، مكونة ثقافة شعبية غنية بالمعاني والعبر والمدلولات الإنسانية والاجتماعية.
وعلى مدى سنوات عرف المجتمع السعودي أنواعاً من الألعاب الشعبية، تختلف من حيث الشكل والمضمون وطريقة الأداء، ويمارسها الكبار والصغار على حد سواء.
كما شّكل ابوعبدالرحمن الحياة القديمة من داخل البيت عرض فيه المقتنيات القديمة والنادرة احدثت متعة وإثارة حقيقية ارتبطت بالتاريخ الإنساني والتراث الشعبي والحضاري للناس، بحيث تؤرخ لحقبة ما وتستقرئ أسلوب الحياة آنذاك، كهواية جمع الأدوات المنزلية والأواني القديمة، من أجهزة الراديو والتلفاز والهواتف الكلاسيكية، بالإضافة إلى العديد من الأغراض الأخرى كالمجوهرات والأنتيكات والتحف والكتب القديمة، وغيرها.
ولفتت براعة الحرفيين في نحت آنية الخشب أنظار الزوار، الحرفي محمد ربيع الشمري حيث خبرت تزيد عن ١٥ عامًا للمهنة المتوارثة عن الآباء، فكانت كلّ تلك السنوات رحلات عبر أودية المملكه بحثًاً عن أنواع الأشجار ، للبدء في رحلة دائبة لنحت الآنية الخشبية التي تجد رواجًا كبيرًا لدى الأهالي من مختلف مناطق المملكة.
ويستمتع الحرفي بوريان بالمشاركة لأكثر من 20 عامًا في مهرجان الجنادرية، الذي أسهم في الحفاظ على الموروثات الشعبية من بناء للبيوت الشعبيه وتمثيلا للحرف اليدويه والصناعات التقليدية ، فضلا عن التقدير الكبير والملحوظ الذي يجده سواء من إدارة المهرجان وكافة القطاعات المشاركه و الزوار أيضا اقبال و حضور لافت يبهر الجمهور وسط بهجة ملموسه من الأطفال وكبار السن.
وفي زاوية أخرى، يتكئ الحرفي ابو عبدالعزيز الخراز ، على جدار صخري يألفه كثيرًا، فقد قضى أكثر من 20 عامًا في علاقة مع دباغة الجلود وصناعه الأحذية (الزبيري) التي كان يرتديها الملوك والأمراء سابقا ، والتي حظت باهتمام كبير من زوار الديره لاقتناء أنواع منها .
ويتعامل الحرفي خالد الموسى هو وزوجته الحرفيه مع عجينة الطين يدويًا وبطرق خاصة وابداع من التشكيل والتجفيف والحرق، وصولًا لصلابة ملائمة بعد تشكيلها كمجسمات بيوت قديمه ، ومنها المجالس الشعبيه وأوان للطبخ والشرب.
ويستعرض الحرفيين أمام زوار الديرة التراثية أنواعًا من الحرف والمهن النادرة في أركان قرية ، إلى جانب صناعة أدوات أخرى من إنتاج الحرفيات من صناعه الخوص والحياكة والسدو والتي رسمت ملامح الجهود لأجدادنا وامهاتنا بالديرة قديمًا .
وفي ركن ليلة الحنه عرض الحرفيات مهنتهن اليدوية في حياكة الأزياء الشعبية بتطريز خاص وبألوان تميز الزي النسائي عن الرجالي، حيث ارتبطت تلك الأزياء الشعبية بمناسبات الفرح والأعراس لدى أهالي المنطقة ولا زالت عنوانًا للفرح لدى أبناء الجيل الحالي.
وحين يمارس أبوريان وباقي الحرفيون جزءًا من الصناعات اليدوية التقليدية بمنطقة الديرة (صجه ولجة) أمام زوار مهرجان الجنادرية، فهم يرسمون لوحة للصراع الذي قاده الآباء والأجداد في رحلة الحياة القديمة مستلهمين من الطبيعة حولهم موارد بيئية، تعاملوا معها وأجادوها فتحولت أدوات الحياة تلك إلى ثقافة وحضارة .