د. ربيع حسين
القراء الأعزاء ، كثيرٌ منا يتعرض لمواقف النقد من الآخرين ، ومن صفات النفس البشرية أنها لا تحب النقد ولا ترتاح له ، خاصة إذا كان مباشرا (أي يشير إلى صفة سلبية أو أكثر في الشخص) وإذا كان لاذعا (أي أن كلمات النقد شديدة وتمثل هجوما) وإذا كان على الملأ (أي أمام الآخرين) .
وقد ينقدنا الآخرون بحسن نية ، ولكن بسوء تصرف ، فيصدر عنا رد فعل إنفعالي لم يكن في الحسبان (رد فعل منعكس لا شعوري) ينتج عن الألم الذي سببه النقد المباشر لنا ، وبالتالي قد تفسد علاقتنا بالعديد من الأصدقاء والمعارف وغيرهم ، وكذلك لا يصل الناقد إلى غرضه من النقد ، بل يزيد الطين بلّة .
وفي دروب الحياة نرى بعض الناس يمارسون النقد على أنه البحث عن سلبيات الآخرين (أي التفتيش عن السلبيات في أفكارهم وفي سلوكياتهم) وبالتالي يعيشون دور الناقد السلبي ويصدرون الأحكام بناءا على نتائج ذلك التفتيش .
ومن الأخلاق التي علمنا الإسلام إياها ، أن نعامل الناس برفق ، وألاّ نفتش عن سلبيات الناس ، وأن نستر ولا نفضح ، فمن القواعد الفقهية المعتبرة “الأخذ باليد مقدم على الأخذ على اليد” بمعنى أن تأخذ بيد الناس إلى الخير وتدلهم عليه مقدم على التركيز على سلبيات الناس وتوبيخهم .
فماذا نفعل إذاً عندما نريد لفت إنتباه الآخرين إلى نقطة ما تستوجب تعديل أفكارهم أو تغيير سلوكياتهم ، كيف ننتقد الآخرين ، هل للنقد فنون خاصة ؟
أولا لابد أن نضع تعريفا واضحا للنقد كي نحدد ضوابطه ، النقد هو تمحيص الأمر بهدف تقييمه تقييما متوازنا ، بمعنى إبراز جوانبه الإيجابية وكذلك جوانبه السلبية ، وليس كما يظن البعض أن النقد يعني التركيز على السلبيات فقط .
وبالتالي فالنقد يحتاج إلى شخص خبير ذي بصيرة يمكنه تحليل الأمور جيدا وموازنة جوانبها وفهم أركانها قبل أن يحكم عليها ، كما ينبغي أن يكون الناقد محايدا ، يحلل الأمور دون تحيّز مبني على إنطباعات مسبقة أو معلومات منقوصة ، وينبغي أن يركز على الموضوع وحيثياته وليس على الأشخاص ومدى علاقته بهم .
وهنا أنوّه إلى أننا يجب أن نمارس النصيحة بدلا من النقد السلبي ، والفرق بينهما أن الناقد يركز على السلبيات بينما الناصح يركز على الإيجابيات ، فالناقد يركز على نقاط ضعفك وكيف كان أداؤك سيئا ، بينما الناصح يركز على دعم نقاط قوتك وكيف يصبح أداؤك جيدا .
مثلا : الناقد يقول لك : في محاضرتك الأخيرة كانت أفكارك غير مرتبة وكلامك سريعا ولغة جسدك غير معبرة وبالتالي شعر الناس بالملل والرتابة
بينما الناصح يقول لك : كان في المحاضرة نقاط إيجابية كثيرة ، ولكن في محاضراتك القادمة ، كي تجذب إنتباه الحاضرين بشكل أفضل ، حاول أن تضيف بعض البهارات إلى طريقتك ، مثل أن ترتب أفكارك ترتيبا منطقيا وأن تقلل من سرعة كلامك وأن تستخدم لغة جسدك بشكل أفضل .
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على دعم الآخرين بالنصيحة ، كما ورد في رواية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم .
عزيزي القاريء ، اعلم أن النقد يثير الرفض الداخلي ومقاومة أفكار الآخرين ، بينما النصيحة تفتح باب الرغبة في تطوير النفس .. بس كدا .. حياكم الله .
كتبه الدكتور ربيع حسين
مستشار سيكولوجي إكلينيكي
المستشار الأسري والتربوي
مستشار التنمية البشرية والكوتشينج.