شريفة الحازمي
لطالما تعلمنا وعلمنا بأن التسابق للقمة غريزة إنسانية وقيمة محمودة؛ طالما بقيت ضمن الحدود التي رسمتها الأخلاق الإنسانية السامية وهذبتها عقيدتنا النيرة.
أخذت من بعدها الإنساني مصطلح”التنافس الشريف”،ومن خصوصيتها النفسية “الفروق الفردية “.
إلا أن إفرازات المدنية الحديثة وما صحبها من إعتلاء “الأنا” للمشهد الإنساني الحضاري، وسقوط الكثير من القيم عن ركب الإنسانية في سباقها المحموم نحو التفرد والسيطرة ،جعلت من التنافس الشريف عبارة لن تجدها إلا في متاحف الإنسانية الغابرة، ومن الفروق الفردية نظرية الحديث عنها كلاسيكية ورجعية!!
فلم يعد يخلو اليوم مجال من مجالات عملنا من تلك الجرثومة المقيتة التي تسللت إلى كثيرا من الأنفس المريضة ناشرة أخطر الأمراض على النفس البشرية وآتون هلاك طموحها وانجازاتها. …الحسد وإن شئت “الغيرة” !!
سموها كذبا متلازمة “قابيل وهابيل” ليركنوها لطبيعة النفس البشرية التي قال صانعها (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) .
انتشرت عدواها في جميع أعضاء مقدراتنا من تعليم، وصحة ،وعدل، أمن،فن، رياضة،وإعلام. …أينما يممت تجد اناس يخبروك بان الجرثومة المسمومة مرت من هنا ! أناس أعمت “الغيرة”أبصارهم وبصائرهم،فانشغلوا بنصب المكائد، وتصيد هفوات موظفين أبرياء، لا جريرة لهم سوى أنهم آمنوا بالتنافسية الشريفة في سعيهم نحو طموحهم ،وآمالهم لإشباع رغباتهم في تقديم شيء لمعشوقهم الوطن،سلاحهم قوة الإرادة والإخلاص في سيرهم على طريق الجد والتميز مستنيرين بلوحاته الإرشادية من المبادئ الراسخةوالقيم الحميدة.
إن أسوأ مظاهر الفقر والأمية،لاتكمن في حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب وتعلم القراءة والكتابة، بقدر ماتكمن في ضعف الغذاء الفكري المجدي ،وإنعدام الوعي بالواجبات ،وعدم تقدير المسؤليات .
وكل من يبيح لنفسه إستنزاف مقدرات الوطن دون إثبات جدارة مهنية، محاكيا للقرود في تسلقها للاغصان للوصول للثمار أعلى الشجرة تارة، وموظفا لمواهبه في النميمة وتثبيط عزائم الآخر تارة أخرى ، فإنما يساهم في تخلف مجتمعه وبلاده.
كم هو محبط للأسويا أن يرى البعض أن نجاحهم إعتداء على حقوقهم الطبيعية أما لمكانة ظنوها، أو كبرا واعتزاز بصنائع مافعلوها!
كم هو محبط للناجحين أن تتحول مراكز العمل إلى حلبات صراع للديوك على فتات الحب بينما هناك متسع للجميع!
إن مثل هذه البيئة الصفراء المريضة تؤثر على منسوب الإنجاز والإنتاج بقضائها على التنافس الشريف وإقامة ميزان العدالة الوظيفية.
لقد آن الأوان لنبادر إلى تصحيح عيوبنا،وإذكاء روح المواطنة في مجتمعنا.
آن الأوان لنرقى بمستوى علاقاتنا وانجازاتنا،وعدم الإلتفات لأولئك المحبطين المعرقلين لمسيرة التنافسية الشريفة فلا مكان لهم بيننا بعدما إصابتهم جرثومة الحسد اللعينة، وقريبا سيكنون حطبا لآتون احقادهم الذي نصبوه مصداقا لقوله تعالى (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) [سورة فاطر 43].
التعليقات 1
1 ping
عزيزالمصلحي
19/07/2019 في 6:03 ص[3] رابط التعليق
يبدو والله اعلم ان هذه المقولة (رحم المعاناة يولد الإبداع) تنطبق على هذا المقال لذلك خرج لنا بهذه الصورة الجميلة ،، ولكن اذكر الكاتب بالشق الاخر من المقولة( ومن وجع الألم يولد الأمل)
أعلل النفس بالآمال أرقبها.
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
(وفي فسحة الأمل فسحة للحياة)