هناء أحمد
هل شعرت يومًا بأنك مُثقل بالقيود؟
بالعادة هذا ما يكون عليه الإنسان البسيط في مجتمعاتِنا، فأنت في مأزق، لأنك مُخيّرٌ بين إثنين، إما أن نضع لك رزمة واحدة من أُطر معينة ومحددة، يجب عليك أن تكون في أحد إطاراتِها وأن تقولب نفسك فيها وتتقوقع فيها إلى الأبد، وإلا “نبذناك” !
الرُزم والإطارات والقوالب الوهمية التي صنعها المجتمع تُقيدك عن: الإبداع، الإبتكار.. تقتل إبداعك وتمنعك من أن تكون نفسك! إذ سيكون الناس بناءً على هذا يحملون نفس الأهداف، ونفس الأحلام، ونفس المتطلبات، ولن نكون إلا مستنسخين مجردين من كينوناتِنا،
فلكي تكون ناجحًا دراسيًا يجب أن تدرس: الهندسة أو الطب أو أن تكون ضابطًا كي نعتبرك ناجحًا ! أما مهنيًا أن لم تكن موظفًا في أي قطاع فأنت فاشل مهنيًا؛ حتى لو كنت تمتهن الرسم أو العزف أو الكتابة، وان كنت تريد أن نعتبرك مثقفًا ونعطيك حق الكلام يجب أن تحصل على شهادات اكاديميه وان تدرس في أرقى الجامِعات، ولا يغنيك عن ذلك أنك ابتلعت آلاف الكتب ابتلاعًا ! وهكذا دواليك، وترى الناس صرعىَ يتسابقون ويتناحرون على أن يصبح أحدهم هو الأفضل و الأحسنَ منزلة في ظل هذه المقاييس.
أما عن الشخص الحالِم فهذه القوالب والأُطر تُمزّقه روحيًا، يضيع بين ما يجد فيه نفسه، وبين ما يأمل الناس أن يصنعه هو، يتشتت بين مقاييسه وبين مقاييس المجتمع، فهو أمام خيار أن يفعل ما يريد مُقابل أن يُنبذ ويُحقّر ولا يجد من يقدره، أو أن يفعل مايأملهُ الناس بشروط مقاييسهم ويفقد إرادته ورغبته وأحلامه..
لكن بعد تفكيرٍ مَلي.. ما الفائدة من أن تضع نفسك ضحية لمقاييس المجتمع إذ كُنت أنت من ستعيش؟ وماذا تُريد بتقديرٍ زائف؟ وأن كنت ستفعل ما تُريد فأنك لا تتطلع على كل حال على تقدير من أولئِك الفئة، كيف تُختزل الحياة في مجالاتٍ أصابع اليد الواحدة تفوق عددها.. قد خلق الله الكون واسعًا وأبدع في خلقه وكل جُزءٍ منه لهُ مكانه، كلوحةِ الفنان كل جزء بسيط منها قد ساهمَ في أن تبدو بالروعة التي هي عليها وأن تُعطَى رونقها الساحر، كذلك الكون كل انسان منّا يشكل جزء منه وكل واحدٍ منّا يُطلق أصابع روحه في مكانها المُلائم لكي نشارك جميعًا في عزف موسيقى الكون، فكل روح ستجد ما يتناسب معها من مهنة وعمل و مهارة، كل روح ستسعى إلى ما يشبهها ويطابقها من أساليب الحياة وهذا ما يجعل الحياة تستمر بصورتها البهيه والفاتنة، لو كان الناس كلهم على شاكلةٍ واحده لفسدت الحياة، لذلك أكرمنا الله بهبِة “التنوع”، دعنا نتخيل ان الجميع كانو ضباطًا أو مهندسين، كيف كُنا سنسمع موسيقى موزارت وشوبان؟ أو أن نقرأ أدبيات الرومي؟ أو أن نُمتع ناظرينَا بفنّ فان جوخ ودا فينشي؟ أو نتذوق ألذ الأصناف في غياب الطباخين؟ هكذا نحنُ “لا يوجد اثنان متشابهان، ولا يوجد قلبان ينبضان على الإيقاع نفسه” كما قال شمس التبريزي..
أرواحنا مختلفة وهذه سُنة الحكيم الذي أبدع الكون، فالذي لا يحترم الإختلاف قد تطاول على النظام المقدس الذي أبدعهُ الله! وعلى ذِكر شمس فقد قرأتُ مرة عبارة لمولانا الإمام جلال الدين الرومي يقول فيها: “لا تجري مع التيار، كُن أنت التيار”! وما أبلغهُ من وصف! لا تجعل مقاييس العامة من تُمحرِّكُكْ، ولكن كُن أنت المُحرك الأول والأخير، أعزِف موسيقى حياتك وأنسج خيوطها كما يتناسب مع روحك، عِش حياةً تُشبهك .. عش حياتك بألوانِك برسمك لا برسم غيرك.. كُن حرًا وألقِ قيودك!