فريقان، يرى الأولُ: أن (يوم المعلم) حقٌ للمعلم على المجتمع، للتعبير الرمزي عن احترام المعلم، وتقديره، بينما يرى الآخر: أن يوماً واحداً هو انتقاص لحق المعلم الذي يستحق أكثر من يوم، وبعيداً عنهما، هناك من يرى: أن المعلم اليوم يعيش بين سندان ومطرقة، سندان النظام الإداري التعليمي، ومن طبع السندان أن يكون الجزء الأكثر صلابة وجموداً، لذلك فهذا السندان يُغرق المعلم في الواجبات، ويَخْنقه في الحقوق، فهو يعزِفُ على الواجبات بينما يعزِفُ عن الحقوق، ويقال: إن المعلم منذ أن كان طالباً يجلس أمام معلمه إلى أن أصبح معلماً يقف أمام طلابه إلى أن تقاعد، قد سمع كثيراَ عن الغُول والعَنقاء والتأمين الصحي ومزايا حقيقية للمعلم، هذا ما سمعه المعلم، بينما هو يرى الصعوبة في التنقلات، والعوائق في مواصلة الدراسات، والحرمان من الدرجة الوظيفة المستحقة، ورفْض كليات التربية لتقبل بدلاً منه أحد طلابه، أما مطرقة المجتمع التي ترتفع لتهبط على رأس التعليم والمعلمين أحياناً، فهي تلقي عليهما باللائمة في كل إخفاق ووراء كل مشكلة، وكم شخصٍ صعد على كَتِف المعلم ليلقي في أذنه آخر النكات والتعليقات التي تنتقص المعلم والتعليم.
إن كل الأمم والحضارات والثقافات، تُعنى بالمعلم عنايةً فائقة، وترفعه إلى المستوى اللائق به، وتَحْفل أدبياتها بما يعكس ذلك، أمثالاً وحِكَماً وثقافةً، فضلاً عما توليه أنظمتها وحكوماتها من مبادراتٍ ومشاريعَ وخططٍ لتنمية التعليم والمعلمين، وتمكينهم وتطويرهم، وصولاً بهم إلى أرقى المستويات، التي يمارسون من خلالها واجباتهم بأفضل صورة، ويأخذون حقوقهم بأكمل وجه، إضافةً إلى سَنّ الأنظمة والقوانين التي تحافظ على مكانة المعلم وتعلي من قيمته في المجتمع.
ولعل (يوم المعلم) هذا العام مَرّ والمعلم يَعَبُر عنقَ الزجاجة، بين عامين، فالعام الماضي يكاد يكون بامتيازٍ عام التندر بالمعلمين، حتى ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالرسائل والمقاطع والصور التي التهمت أجزاءً من مكانة المعلم، بسبب إجازة لم يتخذوا قرارها ولم يسلموا قَتارها، وإذا كان العام الماضي ودَّعَ المعلم بكثير من الهمز المعنويّ، فإن العام الحالي بادَرَ المعلم ببعض القلق الماديّ، فالحديث عن رواتب المعلمين، وسُلّمهم الوظيفي، وعلاواتهم ونحوها، قد تكون من آثاره زيادة أعداد طالبي التقاعد المبكر هذا العام.
هناك وظائف وأعمال وأدوار في المجتمع، من طبيعتها حين يقع فيها خلل أو تراجع أن تنعكس سلباً على أصحابها فقط، وتترك فراغاتٍ يمكن سَدّها وتلافيها، بينما هناك أدوارٌ أخرى لا تقتصر آثارها السلبية على أصحابها، وإنما تنعكس على المجتمع كله، وتترك فراغاتٍ يصعب ويتعذّر سَدًّها وتلافيها، بل تترتب عليها نتائج سلبيات مستقبلية، في الهويّة والتنمية والتطور، وفي مقدمة هذه الأدوار الجوهرية، دور التعليم الذي يحفظ الماضي، ويوجّه الحاضر، ويصنع المستقبل، وعلى رأس هذا الدور يقف المعلم، الذي فوّضه المجتمع وأوكَلَ إليه مهمة التربية والتعليم وبناء الشخصية وصنع الأجيال واكتساب المهارات وتنمية التفكير ورسم المستقبل.
إنه المعلم صمّام الأمان لكل وطن، وجوهر التنمية لكل بلد، ومنطلق الحضارة لكل شَعب، وهو جديرٌ بكل تكريمٍ ورعايةٍ وحقيقٌ بكل تقديرٍ وإشادة.
شكرا لكل معلم مخلص.