عندما أكتب عن والدي أشعرُ أنَّ شيئاً ما يُربك قلبي كارتباكِ طفلِ يحاول أن يسرقَ لعبةً مُنعت عنه.
أعلم أنَّ والدي الآن لا يسمعني ولا يقرؤني، لكن صداعاً يفجِّر قلبي يُحاول أن يهدأ، أن ينام، أن يأخذ مضاداً ليسترخي .
أريد أن أكتب لأنكم كثيراً ما تجهلون قيمة الأب!
ففي كثيرٍ من الليالي تمنيتُ أن يكون والدي هنا ليُعلمني، ليربيني، ليلسع لساني من الأحاديث السيئة، ليحرق يدي حين تُخطئ ، لكن المرض الذي تعرض له كان أكبر بكثيرٍ من أن يعيش لأسبوع واحد !
أعلمُ أن رجلاً في هذه الأرض لن يفهمني غيره ، وأعلم أن ألف شخص لن يكفّوا عنه ، وأعلم أن بكائي لن يتجاوز صدري الذي لا يزال رغم كل هذه السنين من الموتِ ينبض بأبي .
سبعُ سنواتٍ إلا أسبوعين وصباحٌ معتم، تمنى رأسي فيها أن يلقي بنفسه على ذراع أحدهم ثم يزحفُ قليلا للأسفل لـ منطقةِ صدره، لكن هذا العالم أصغر بكثير من قلب والدي .
كلما حاولتُ أنْ أحب، أتذكر أن والدي لم يعلمني إلا حبه ، وكلما حاولتُ أن أتقرب من أحدهم أتذكر أن والدي علمني كيف آخذُ ولا أُعطي .
وكلما حاولت أن أدافع عن نفسي أتذكر أن والدي لم يعلمني الهدوء؛ فمرضه جعلني كـالمجنونة !
بل كالإنسان الأناني الذي يُريد أن يكون كل شيء له ، بمعني أن يكون الأطباء جميعهم تحت غرفة انعاش والدي .
لقد كلفتني هذه الكلمات الكثير من الدموعِ التي لا تعرف كيف تكفكفُ نفسها ، لقد كلفتني هذه الكلمات أنيني الذي لن يسمعه حتى جدار غرفتي ، لقد كلفتني هذه الكلمات " سقوطي " وأيُّ سقوطٍ لا يُعلمك الوقوف يُميتك !