كلما مضى يوم من عمرك أدركت رحيل الأيام ، فيرميك سهم العاطفة بالمرور على شريط الذكريات ، فأيام الطفولة هي الأجمل ، ثم أيام المراهقة ، ثم أيام الشباب .
لا ريب أنك مررت بملح أجاج ، وصفع الأمواج ، والشعور بالهياج ، وتعكر في المزاج ، وفقدان واحتياج ، وازدواج وإزعاج .
لكن لماذا تراها جميلة ؟
أهو الندم على أيام العمر التي مضت ؟
أم هو خلو تلك الأيام من المسؤوليات ؟
أم أن تلك الأيام هي الأجمل من غير أسباب .
لقد اطلعت على ما كتبه الباحثون في الدول المتقدمة ، عن أسباب التفكير العاطفي في الماضي ، ولا تقولوا عني إني مغرور ، فأنا لم أقتنع بتلك الأبحاث والدراسات الفلسفية ، التي تريد أن تقنعني على أنها بنيت على تجارب وأسس صحيحة .
قد يكونوا على صواب وأنا على خطأ ، أو قد أكون على صواب وهم على خطأ ، ولا أمدح الفكر العربي ، الذي حباه الله الصفاء الناصع ، والخيال الواسع ، والعقل المبتكر البارع .
انظر إلى النبتة الصغيرة ، التي ظهرت عقب أمطار الذكريات ، تكبر شيئا فشيئا وأنت تراقبها ، وإذا كبرت تركت الاهتمام بها .
كذلك مراحل أعمارنا مثل تلك النبتة ، الطفولة هي الأجمل ؛ لأنها أيام البراءة والطهر والنقاء ، ثم المراهقة ؛ لأنها أيام الشعور بالانتقال والاستقلال ، ثم الشباب ؛ لأنه أيام الطموحات والتصور الخيالي الواعد .
عندما نكبر نرى الحياة على حقيقتها ، ونشاهد الخيانات والكذب والانحلال الأخلاقي ، كوارث ومصائب تجعل الإنسان يتأجج لظى وحسرة .
كنا نعيش مع أشخاص أوفياء كرماء مخلصين ، لا يحملون حقدا أو كراهية ، كنا نعيش في عالم يسوده الحب والتآخي ، والإنصاف والعدالة والاستقامة .
كلما استرجعنا شريط الذكريات المؤلمة ، كلما ارتحنا نفسيا ، وقد يكون ذلك الشريط نعمة من الله ، وعلاجا نفسيا يقينا من الصدمات التي تحطم آمالنا .
ذلك الشريط المحفوظ ، الذي لم تهزه رياح الظلم ، أو تحرقه نار القسوة ، أو تمحه دموع التماسيح ، أو تدمره صواريخ الأعداء ، هذا الشريط الصامد هو شريط الذكريات الخالد .
✍ مهدي حكمي