لا يخفى على أحد ما للإعلام من أهمية وتأثير في المجتمعات، وقلب للموازين وإشغال للرأي العام.
ومن أهم منابر الإعلام عند العرب هم الشعراء!
للشعراء تأثير عجيب في تلك الأزمنة، وكان الخلفاء يحرصون أشد الحرص على كسب ولائهم قدر المستطاع، ويتجنبون هجائهم!
فبيت من الشعر يرفع قبيلة، وبيت آخر يضعها!
ومن الأخبار المسطرة في كتب الأدب، أن قبيلة اسمها بنو نمير، وكانت ذا مكانة عالية عند العرب، مستغنية بنفسها عن كل حلف، وإذا تكلم أحد أبناء تلك القبيلة ونسب نفسه فخّم الراء في كلمة (نمير) مفتخراً بقبيلته!
فذات يوم كان الفرزدق وجرير في إحدى ميادين الهجاء يتهاجيان كعادتهم التي دامت بينهما نصف قرن!
فدخل بينهما الشاعر عبيد بن حصين الراعي النميري فكان من فطاحلة الشعراء - سُمِّي الراعي لكثرة ذكره الإبل في شعره- مؤيدا للفرزدق، فقال فيه جرير قصيدة يهجوه فيها لتدخله بينه وبين الفرزدق ومنها:-
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ
فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
فلم يرفعوا بعد ذلك رأساً، حتى كانوا لا يتسمون بهذا الاسم، فإذا قيل للواحد منهم من أنت؟ قال: عامريّ نسبة إلى جدهم الأكبر!!
ومن تلك الأخبار أيضاً، كانت هناك قبيلة تُعيّر ببني أنف الناقة، وكان أحدهم يخجل إذا انتسب إلى تلك القبيلة، ويغضب إذا سبّه أحد بها، وسبب تسميتهم بذلك، أن أباهم نحر جزورا وقسمَّ اللحم فجاء حنظلة وقد فرغ اللحم و بقي الرأس، وكان صبيا، فجعل يجره؛ فقيل له: ما هذا؟ فقال: أنف الناقة. فلقُبِ به، وكانوا يغضبون منه!!
وقد سمع الحطيئة بقصتهم فقال فيهم:-
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسويَّ بأنف الناقة الذنبا
فمن بعدها قلّب الموازين فأصبح الواحد منهم يفتخر بهذا الاسم !!
وأختتم المقالة بهذه القصة اللطيفة التي حدثت في الجاهلية للمحلَّق الكلابي كان رجلاً فقيراً معدماً لا حسب له ولا نسب، ولا يملك غير ناقة وبردين ورثهما من أبيه، وعنده ثلاث بنات لم يتزوجنّ!
فنزل الأعشى إلى ماءٍ في طريقهِ، يسكنه المحلّق، فقالت له عمته هذه فرصتك، فإن الأعشى إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع، فأكرمه وانحر له ناقتك وأعطه بُرديك وزِقّ خمر، ووالله لو إِعْتَلَجتْ في كبدهِ الكبد والسلام والخمر ليقولنّ فيك شعراً يرفعك به!
فلمّا وصل رسول المحلّق إلى الأعشى وأخبره أنها من المحلّق، فقال له الأعشى قل للمحلّق وصل إلينا عطائك وسيصلك ثناؤنا!
فمدحه بقصيدة شاعت وذاعت في آفاق الجزيرة العربية، ولم تأتِ السنة التي بعدها إلا وتزوج كل بناته بمائة ناقة لكل واحدة منهنّ، وأصبح من أشراف العرب وأغنيائهم!
ومطلع القصيدة :-
أَرِقتُ وَما هَذا السُهادُ المُؤَرِّقُ
وَما بِيَ مِن سُقمٍ وَما بِيَ مَعشَقُ
إلى قوله :-
طَويلُ اليَدَينِ رَهطُهُ غَيرُ ثِنيَةٍ
أَشَمُّ كَريمٌ جارُهُ لا يُرَهَّقُ
فكان الشعرُ مؤثراً في حياة العرب الإجتماعية والسياسة بمثابة الإعلام اليوم، في يوم وليلة يقلب حياتهم رأسا على عقب!!
التعليقات 1
1 ping
HANI
24/06/2020 في 4:24 م[3] رابط التعليق
كتابة جميله بالتوفيق