الثقافة ليست جزءاً من المجتمع بل هي كل المجتمع، ليست الثقافة هي فقط مجموعة من الكتب لتقرأ و ليست قاعة أدبية تُلقى عليها المحاضرات و ليست كذلك كوباً من القهوة .
إن الثقافة هي حياة المجتمع بماضيه و حاضره و مستقبله و لذلك فالثقافة ليست المقصود بها ذلك الفكر الراقي فالفكر الراقي هو جزء من الثقافة لا الثقافة .
الثقافة هي كل المجتمع بفكره الراقي و المنحط .
بفكره النير و فكره البسيط و طالما أن الثقافة هي المجتمع و طالما أن المجتمعات بطبيعتها تتطور فهل نحن بحاجة إلى أن تتطور هذه الثقافة ؟
هل ثقافتنا بحاجة إلى تنوير ؟
في العصور الوسطى في أوروبا كانت الإجابة بنعم فكانت تلك الثورات العارمة لتحرير الفكر في تلك المجتمعات من بطش الكنيسة و الدولة و الدولة بالتأكيد كانت تتبع الكنيسة أو بمعنى أن الكنيسة كانت هي من تسيطر على الدولة و بالتالي المجتمعات .
الكنيسة بطبيعة الحال كانت تستمد قوتها من طغيانها لا من نصوصها فنصوصها كانت ضعيفة و ضعف النصوص هنا سببه أنها كانت نصوص مزيفة لم تكن صادرة من الله لأنها نصوص محرفة و لم تُكتب عند تحريفها لأجل البشرية بل من أجل بسط نفوذ الكنيسة في بعض الأحيان و بالتالي لم تكن مناسبة لأولئك البشر و الذين تمردوا عليها حين وجدوا الفرصة لذلك فكان التنوير و حدث ذلك أثناء الثورة الفرنسية التي أرادت تحرير الإنسان و تحرير عقله بغض النظر عن دخول من أراد تشويه التنوير الثقافي في أوروبا لكن المضمون أنها كانت من أجل تحرير العقل الإنساني و كان لهم ذلك مما أدى إلى نهضة أوروبية و إن كانت غير مكتملة الأركان و لم تحقق التنوير الكامل و هنا لنقف و نسأل : هل نحن بالمقابل بحاجة إلى أن نعيد ما فعلوه في عالمنا العربي ؟
بمعنى هل نحن بحاجة إلى تنوير ثقافي ؟
للإجابة هنا لا بد أن نعلم بداية من يتصدر المشهد في عالمنا العربي ؟ هل هي السلطة الدينية كما كانت تمثل ذلك الكنيسة في أوروبا في تلك الفترة أم هي سلطة الدولة ؟
بالتأكيد أن السلطة الدينية أو المسجد هي من كان يتصدر المشهد في عالمنا الإسلامي حتى مع سيطرة الدولة سواءً في العهد الأموي أو العباسي و ما بعده فكانت العلوم و الاختراعات و الاكتشافات و انتشر حراك أدبي مميز لكن الوضع اختلف كلياً في القرون التالية فأصبحت سلطة الدولة هي من تقود المشهد حتى و إن أبرزت دور المسجد كواجهة لتحقيق مصالحها فقط فكانت الدولة بنفوذها و قوتها تقود المشهد وفق ما يُقوي سلطتها فتراجعت مقابل ذلك الكثير من الأمور تماماً كما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا فأصبحنا و كأننا بحاجة إلى تنوير و هذا ما شعرت له الدولة في عالمنا العربي فقادت هي بنفسها التنوير نيابة عن المجتمع لتعيق كل المحاولات لأجل ذلك فبدأت مشاريع للتنوير في عالمنا العربي لكنها بالتأكيد لا تعتبر مشاريع تنوير حقيقية لأنها لم تكن شعبية لتحرير الإنسان فلم تركز على أصل قضية التنوير بقدر ما ركزت على قضايا فرعية كالمرأة و تحرير المرأة و لم يكن ذلك بالتأكيد لأجل المرأة بل لتحقيق أجندة معينة و لذلك لم تخدمها .
إن التنوير الحقيقي يكون بالرجوع إلى ما كان عليه المجتمع العربي و المسلم لسابق عهده .
بالرجوع إلى المنهل الحقيقي الرباني و حينها ستوضع كل القضايا الفرعية في نصابها الصحيح كقضية المرأة كمثال و غيرها من القضايا الأخرى .
إن الذين نادوا بمشاريع التنوير في عالمنا العربي سواءً حكومات أو منظمات أو أفراد لم ينظروا إلا إلى أمور فرعية تخدمهم مصالحهم لا إلى أصل التنوير لأن المسالة باختصار : كل يغني على ليلاه .
محمد الدباسي
كاتب و مؤلف
رئيس التطوير في اتحاد الكتاب و المثقفين العرب
maldubasi@gmail.com