حينما ننظرُ إلى الواقع ولبعضِ مدراء العموم لبعض الوزارات الحكومية ، وأبوابهم المغلقة ، وخاصة تلك الإداراتِ المرتبطةَ بشكل مباشر بخدمة المواطنين في حالة ورود شكاوىٰ من قبل مواطنين من نقصِ خدمةٍ أوقصورٍ لدى هذه الدائرة ، ويطالبون المدير المسؤول عنها بتحسين الخدمة لدى هذه الدائرة ، أورفع ضرر أو إنصاف ؛ فإنه من المفترض على أي مدير عام أيا كان موقعة ومكانه أن يتعامل مع كل الشكاوىٰ التي ترد له بكل جدية ويقف عندها والتأكد من مدى صدق فحوى أي شكوى تصل له وذلك حسب توجيهات ولاة أمرنا حفظهم الله.
ولكننا حين ندققُ ونتأملُ في مثل هذا الموضوع فإنَّنا سوف نجدُ كل الأحداث المؤسفة والمخجلة من خلال ما نشاهده ويلاحظه المواطنون من بعض مدراء العموم في الدوائر الحكومية ، والذين لايولون شكاوىٰ المواطنين جل اهتمامهم ، مما يضطر البعض من المواطنين في حالة عدم تجاوب هذا المدير حيال شكواهم والبت فيها من أَنْ يقومَ بنشرها عبر الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك من أجل إيصال “أنينهم” ومعاناتِهم ومظلمتهم لولاة الأمرحفظهم الله ، أو لأمراء مناطقهم أو الوزير المسؤول عن هذه الدائرة وعن هذا المدير ، وإذا وَجَدَتْ شكواهم صدىً واسعًا ، وتفاعل معها أمير المنطقة ، أو الوزير والمسؤول عن هذي الدائرة الحكومية ومديرها . فإننا نجدُ حضرة وسعادة هذا المدير العام يبدأ بالرد عن هذه الشكوى عبر اسطوانتهم المشروخة والتي دائماً مانسمعها بأنَّ ما جاء في مجمل هذه الشكوى غيرُ صحيح ، ثم يبدأ يُلَمِّعُ في إدارته أمام هذا الأمير وهذا الوزير من خلال مكتب علاقاته العامة المخولة بذلك .
بل إننا نرى من خلال هذه الردود مايصيب الإنسان "ًبالدهشة”بعد النفي وسياقة الأعذار والمبررات المفبركة.. على أنه كان الأجدرَ بالصحيفة أو الكاتب أن يتأكدَ من الحقيقة والوقائع قبل نشر الشكوى . مع أن هذه الدائرة في البداية لم تعطِ شكوىٰ هذا المواطن أي اهتمام عندما تَقَدَّمَ بها لحضرة المدير . وعندما يتمُّ نشرُها في الإعلام الذي يكشف تقاعسَ هذا المسؤول من عدم إنصافه لهذا الشاكي أوالشاكين . هنا نجد من خلال ردود بعض المدراء الذين يرتدون عباءة الإيمان والتقوىٰ ويستشهدون فيها بالآية الكريمة “يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” مما يدل ويوضح للجميع أنه ، ومن خلال ردودهم ، كل همهم وهدفهم تضليلُ الحقيقة والمعلومات والوقائع التي نُشِرَتْ ، وقرأَهَا المسؤول والقارئ ؛ ليكونَ مصيرُها في النهاية : أن صاحب الشكوى وما تم نشره كذبٌ وعارٍ من الصحة ، وأن مديرهم العام مخلصُ وصادقٌ ، ويواصل ليله بنهاره لخدمة الوطن وقضاء حاجات المواطنين.
مع أَنْ هؤلاء المسؤولين حين يسلطون “مجاهرهم ” عالية الدقة على هؤلاء المدراء والرؤساء وأعوانهم لوجدوا الأمرَ والواقعَ عكس ردودهم وعلى خلافِ إفاداتهم وذلك من خلال ماهو ملموس ومشاهد حقيقةً لعامة الناس ، ولوجدوا أيضاً أن هؤلاء قابعون على كراسيهم لايتزحزحون ويقضون يومهم على هواتفهم النقالة ، ويتفرغون لقراءة الأخبار في الصحف والمواقع ، ولايقبلون بدخول المراجعين الذين يصطفون طوابير ويودون مقابلتهم والاستماع لهم ، بل إنهم ، أيضًا ، لوجدوا ما يُشْعِلُ الرأسَ شَيْبَا .
إن بعضاً من مدراء العموم (وهم قلة اليومَ) يجدون من مناصبهم فرصةً لاستعراض عضلاتهم والتحكم في المراجعين دون أي وازع ديني أو ضمير ؛ مما يؤكدُ أن أغلبَ شكاوى المواطنين تذهبُ أدراجَ الرياح ، ولا يلتفتون إليها إلا بعد نشرها في الإعلام ، بل إنهم يُظْهِرُون براعتيهم وتفننهم في الردود ، بل وقدرتهم على قلب الحقائق وتزييف الوقائع ومقدرتهم على التلاعب بالألفاظ وَلَيِّ أعناق النصوص واللوائح والأنظمة من خلال مايكتبونه في ردودهم ، وينتهون في ردودهم بنغمةٍ مدهونةٍ وملونةٍ ، وهي : “لو أن هذا الشاكي كلف نفسه وراجع المدير العام في مكتبه لَحُلّتْ مشكلته ، ولَم يكنْ هناك داعٍ للكتابة والنشر والتشهير . مع العلم أنه راجعهم أكثر من مرة ، وتكون النتيجة دائمًا إما أنه غير موجود ، أو أنه في اجتماع أو في جولة ميدانية ، بل إن هذه الأعذار التي يطلقها بعض مدراء العموم في ردودهم عبر متحدثي علاقاتهم لا تعدو كونها أعذارًا تبريرية لا أكثر . وهذا والله مخجل كثيرًا ومؤسفٌ أكثرَ في الوقت نفسه . فقد أرسل إليَّ مواطن بشكوى -ذاتَ مرةٍ- يود مني الكتابة عنها برفض المدير العام من مقابلته . فهل هذا يُعْقلُ بالله عليكم أن يرفض هذا المدير العام الذي جعلته الدولة في هذا المكان لخدمة المواطنين وحل مشاكلهم بأن يرفض مقابلة مواطن وهو يرى أن ولاة أمرنا وأمراء المناطق -حفظهم الله- يفتحون أبوابهم ، ويرحبون بمقابلة المواطنين ويستمعون لهم ويحلون مشاكلهم وينصفون مظالمهم ، ويحاسبون كل من ثبت تقصيره تجاه أي مواطن ، فلماذا لا يقتدي أولئك المدراء المشبوهون والملوثون بالشبهات بأصحاب السمو والمعالي ؟؟؟! .
ولكنْ في الوقت نفسه هناك من مدراء العموم من يستحقون أن نُهِيلَ على رؤوسهم سلات مليئة بالورود والفل والكاذي نظير مايقومون به تجاه هؤلاء المراجعين ، ويسعون في حل مشاكلهم بكل تفانٍ وإخلاص ، بل ويقفون ويشرفون على تقديم خدمات المواطنين مُعتبرين أن هذا جُلُّ واجبهم تجاه أي مواطنٍ كان ، وقد رأيتُ ذلك بأم عيني وأنا أراجع عدة دوائر حكومية حين ترى وتشاهد ما يقومون به تجاه هؤلاء المواطنين فتفخرُ بمواقفِهم ، بل إنك تود لو تقومُ فتقبلَ جبين الواحد منهم لفنِّهم في التعامل الراقي الذي يقومون به مع المراجعين ، فمثل هؤلاء المدراء النادرين نحن بحاجة لهم ؛ لأنهم يقودون مؤسساتهم بكفاءة ، ويطورونها بحكمةٍ وفنٍ من أَجْلِ خدمة المواطنين . وقد صدق غازي القصيبي رحمه الله حين قال : "الإدارةُ فنٌ وتعاملٌ ، وليس أبوابًا مغلقة" .
ودمتم سالمين