الإنسان في هذه الحياة التي يسعى في مناكبها ليس في النهاية إلا مجرد أثر وأن يؤمن اعمال تنفعه في آخرته، فإما أن يترك أثراً طيبا ينفعه ويخلد ذكره، ولذلك يعمل الإنسان في هذه الحياة دون كلل بغية توفير حياة كريمة له ولأولاده، وهذا شيء طيب! لكن هل الحياة هي كد وعمل من أجل لقمة العيش فقط؟
ولقد أكد الله العلي الحكيم قيمة الأثر، فالله يحفظ للناس ماقدموا «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» فنجد في حياتنا الناس تتقاتل وتتصارع على كل شيء،على المنصب والوظيفة، وعلى قطعة الأرض وعلى حفنة من المال، وكل يكيد للآخر ويحفر له ويسيى فهم أخيه واختلطت المفاهيم.. من أجل ماذا، ما دام كل هذا المكسب مصيره للزوال.. وما دامت الأمور ستصل بنا في النهاية إلى أن نترك كل ذلك وراءنا لنورثه إلى أبنائنا الذين لم يتعبوا فيه ولم ولن يعرفوا قيمته؟!
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّكُمْ مالُ وارثِهِ أحبُّ إليهِ مِنْ مالِهِ؟»، قالوا: يا رسولَ الله! ما منَّا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليْهِ!
قال: فإنَّ مالَهُ: مَا قدَّم، ومَالُ وارثِه: ما أخَّر،، اذاً مال العبد في الحقيقة هو ما قدمه لنفسه ليكون له ذخراً بعد موته، وليس ماله ما جمع فاقتسمه الورثة بعده، فالذي يخلفه الإنسان من المال وإن كان منسوباً إليه؛ فإنه بانتقاله إلى وارثه يكون منسوباً للوارث.فهنا الغاية من هذا المقال.. ولتعلم اخي القارئي فما تدخره لمن بعدك فينتفع به فليس في الحقيقة يعتبر مالاً لك، وما قدمته في حياتك من الصدقات والأوقاف التي أردت بها وجه الله هو المال الحقيقي لك، فهو الذي ينفعك يوم القيامة.. قال تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلّم: أي الصدقة أفضل؟ فقال: «أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان!»اذاً الذي اريد قوله في مقالي أن الإنسان لا يترك الحياة الدّنيا ويدير ظهره لها، بل أن يعمل ويعمل فيها، وأن يقوم فيها بتطوير نفسه، وأن يلاحق أحلامه وأمانيّه، وأن يفكّر في الغد، ويسعى ليكون مستقبله عامراً بالنّجاحات، وأن يجدّ ويجتهد ليبني ويعمّر في كلّ نواحي الحياة، وأن يعيش كلّ ما تتطلّبه الحياة منه، طالما لا يحيد بذلك عن طريق الشريعة الإسلامية، فلا بد أن يُعادل المسلم بين دنياه وآخرته، فيأخذ من الدنيا ما يُعينه على طاعةِ الله، وعلى الفوزِ في الآخرة، هذا هو المُسلم المُعتدل الذي انتفع من دنُياه وآخرته، قال الله سبحانه وتعالى في ما ذكره عنَّ من نصحوا لقارون لمَّا أتاه الله الثروة العظيمة نصحوه: (قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أيَّ: لا تفرح فرحا أشرٍ وبطنٍ وكبر فيما أعطاك الله من هذا المال: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) بأنَّ تستعين به على العمل الصالح وطلب الآخرة، أنَّ تُنفق منَّه على المحتاجين والمُعسرين وفي سبيل الله عز وجل؛ فهذا يكون ذخراً لك عند الله سبحانه وتعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) لا تحرم نفسك من التمتعِ بما أباح اللهُ من الطيبات والرزق الحلال
اذاً الإنسان يغرس خيراً ليجني ثمرة لتنفعه في الحياة و يعد له أثراً طيباً. فأفضل العبادات أكثرها نفعاً ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه ..وهنا وقفة يجب التنبيه لها.. هناك من يصنع أثراً له بريق لكنه مجهول الطريق ويكون الأثر له آثار سلبية على المجتمع قال تعالى ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً )
*همسة*
تكون النيات الصالحات بلا أعمال، خير من أعمالٍ بلا نيات، نية صالحة، يتوجه بها العبد إلى الله، وربما لا ينفذ هذا العمل لأمر من الأمور، قد تكون خارجة عن إرادته، وهو ينوي فعل أمر ولم يفعله، خير من عمل قد افتقد لهذه النية.
التعليقات 1
1 ping
حميدي الفارسي
19/09/2020 في 7:15 ص[3] رابط التعليق
قال الله تعالى ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) اللهم لاتجعلنا منهم.
فعلا الآجال بيد الله فاحسن القدوم عليه باعمال صالحه وبنية خفيه في قلبك ماذا اردت بهذا العمل اللهم اصلح سرائرنا وضواهرنا .