المال هو المحرّك القوي الذي يسعى الناس لتوفيره دائمًا ، والغاية التي قد تبرر الوسيلة لدى البعض، فنراهم لا يتورّعون عن خوض كل السبل للوصول إليه، ظانين بأنه قد يوفر سبل الرفاهية والراحة النفسية ! وهذا أمر طبيعي فقد قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ]الكهف: 46[، كما قال: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ ]القصص: 77[. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقوله صباحًا ومساءً: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه أبو داود.
فهل يُحقق المال فعلًا الراحة النفسية؟
يُعد المال ركنًا أساسًا ومهمًا في الحياة بل هو عصب الحياة ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنه تمامًا، فهو قوام الحياة الذي يمكّن صاحبه من العيش بكرامة وعفّة، فلا بد من السعي المستمر والجاد لتوفير الحياة الكريمة، فبحسب موقع "ميديكال برس" أجريت دراسة في معهد "ماساشوستس" للتقنية وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، أشار الباحثون خلالها إلى وجود رابط بين الفقر والصحة العقلية والنفسية لدى الناس، وبأن الفقراء معرضون بشكل كبير للاضطرابات النفسية مثل: القلق، والاكتئاب.
كما كشفت دراسة نشرتها صحيفة الغد الأردنية بتاريخ 16/2/2020م إلى أن أصحاب الأجور الضعيفة أكثر عرضة بما يتراوح بين 1.5-3% للاكتئاب مقارنة بمن يتلقون أجورًا أفضل .
ومن هنا نستنتج بأن الفقر يعد من أحد الأسباب المهمة المؤدية إلى الاضطرابات النفسية، ولكن السؤال هنا :
هل يشتري المال السعادة ؟
عرَّف علماء النفس السعادة بأنها الشعور بالرضا العام عن الحياة، وإشباع الرغبات، والتمكُّن من تحقيق الأهداف المرجو تحقيقها، والوصول إلى الطموحات المأمولة، وإمكانية توظيف القدرات لبلوغ مرحلة الرضا عن الذات وعن الآخرين .
ولقد تعززت في السنوات الأخيرة نظرية إرتباط السعادة بمعدل الدخل المادي كما أوضح "جان توينج" الباحث في علم النفس بجامعة سان دييغو الأمريكية، كما نشرت المجلة العلمية "Emotion"، أنَّ سعادة الإنسان تزداد كلما إرتفع مستواه المالي، وكلما تعززت مكانته الاجتماعية ووضعه الثقافي والاقتصادي، وازدادت جودة التعليم .
ومن هنا يمكن القول أن المال ضروري للحياة وأساسي بلا شك، وهو يسهل الحياة، ويجعلها أفضل وأكثر جودة من نواحي عديدة، ويمكن أن يمنع الكثير من المشاكل والخلافات ويقلل التوترات والاحتكاكات بين الناس، ولكن يبقى السؤال الهام هل هذا لوحده يكفي؟
هل يمكن أن يشتري المال الصحة؟ هل يمكن أن يشتري المال راحة البال بشكل كامل؟ هل يمكن أن يشتري الحب والمشاعر الصادقة، هل يمكن أن يشتري الصداقة والأخوة الحقيقية؟
ويمكن أن تُقاس العلاقات الصادقة بمن سيكون حولك ويحبك ويحترمك لو فقدت كل مالك.. قد يظن البعض هذا كلامًا تنظيريًا، أو مثاليًا بعيدًا عن الواقع؛ إلا أن هناك العديد من النماذج فاحشة الثراء التي لم تبعدهم أموالهم عن هوّة الأمراض النفسية، ولم تمنعهم من الإقدام على الانتحار.. وذلك نتيجة حالة من فقدان المعنى والإحساس بجدوى الحياة، فوفق دراسة أعدتها جريدة "الرأي" الكويتية عام 2015، فإن العشرات من أثرياء العالم لم تحقق لهم الأموال السعادة، وقد انتهت هذه الدراسة إلى أن كثيرًا من الأسباب التي تشابهت أدت إلى حياة يرتفع فيها مؤشر الاكتئاب والوحدة لدى عدد من الأثرياء والمشاهير، حيث أن نمط حياتهم الفاره وكثرة مسؤولياتهم يزيد شعورهم بالاكتئاب، كما أظهر بحث أجراه موقع « توب 10 ليست » أشهر الأثرياء الذين انتحروا بسبب الاكتئاب أو الوحدة أو الاجهاد في العمل، وكشف التصنيف أيضًا بأن هؤلاء الأثرياء قد يصابون بحالة من التعلّق الذي يجعلهم غير قادرين على تقبّل الخسارة المالية، أو هبوط قيم الأسهم، أو فشل المشاريع، مما يجعلهم ينهون حياتهم !
ومن الجدير بالذكر هنا، بأن السعي لطلب الرزق والعفّة أمرٌ مطلوب ومحمود ما دام بالطرق الشرعية، والثراء بحد ذاته ليس عيبًا، ولكن العيب هو ربط السعادة وراحة البال بالمال وحده، وتناسي بأن الخالق الكريم سبحانه قد كفل الأرزاق لمن يتوكّل عليه وعمل بالأسباب، وبأن الرضى مع السعي الدائم نحو الأفضل هو مفتاح السعادة الحقيقي للراحة والصحة النفسية .
بقلم/ سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
التعليقات 2
2 pings
عادل ندا
26/12/2020 في 8:58 م[3] رابط التعليق
ما شاء الله، نفع الله بكم فضيلة الدكتور
محمد بن سليمان خياط
31/12/2020 في 5:11 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير على الكلام الطيب والنافع، ونفع الله بك الناس يارب.