قد يبدو هذا السؤال تقليديًا، وقد يسهل على البعض الإجابة عليه بلا تفكير، أو بالقليل منه..
إلا أنه صعب جدًا، بل ويكاد يكون من أصعب الأسئلة على الإطلاق، وليس ذلك بسبب صعوبة إجاباته، وإنما لصعوبة تطبيق تلك الإجابات النموذجية والمثالية على أرض الواقع مع الأطفال وبشكل تراكمي مستمر، ويتطلّب ذلك روحًا طويلة.
وبحسب بعض العلماء فإن نصف أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان تبدأ في الظهور في مرحلة الطفولة، لذلك فإن مراحل الطفولة وما يمر به طفلك خلالها تشكّل أساسًا لما سيكون عليه في السنوات المقبلة، كما وجدت دراسة أُجريت عام 2019 بأن معدلات الاكتئاب ارتفعت لدى الأطفال بنسبة أكثر من 60% لدى الأطفال.
*ما معنى الصحة النفسية؟
خوفك المستمر على طفلك، وإبعاده عن المخاطر المحيطة به من حوله، وإطعامه.. كلها تصرفات لا تعني بأنه سيكون صحيًا على الصعيد النفسي، فالصحة النفسية مفهوم أوسع وأشمل من الجسد، فبحسب منظمة الصحة العالمية "الصحة النفسية" هي: "عبارة عن حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه.
كما ينص دستور منظمة الصحة العالمية بأن الصحة النفسية هي: "الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز". ومن أهمّ آثار هذا التعريف أنّ شرح الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الاضطرابات أو حالات العجز النفسية.
*كيف أعزز صحة طفلي النفسية؟
1- التواصل الجيّد بينك وبين طفلك: اسمح لطفلك أن يعبّر عن مشاعره وأفكاره بأريحية، تحدّث معه، احترم رأيه، فاحترامك له يجعله يكوّن صورة إيجابية عن نفسه ويرفع من تقديره لها، وستجد ذلك ينعكس أيضًا على تعامله مع الآخرين. ومن الجدير بالذكر بأن قمع الطفل ومنعه من التعبير عن رأيه أو مشاعره في صغره، قد يؤدي لمشاكل كبيرة مستقبلًا، إذ يمكن أن يعجز عندما يكبر عن التعبير عن نفسه.
أما السخرية منه وعدم إعطاؤه أي اهتمام كاف يؤثر بشكل سلبي على احترام الطفل لنفسه، وتكرار هذا التصرف يؤدي لزعزعة ثقة الطفل بنفسه.
2- وضّح لطفلك قواعد الثواب والعقاب: حتى يعرف طفلك الصواب والخطأ، ويبني توقعات مفهومة لسلوكه ويضبط هذا السلوك. ويستخدم علم النفس مصطلح "التهذيب “Discipline" للإشارة إلى عملية تعليم الطفل وتوعيته حول السلوكيات المقبولة وغير المقبولة، وتتضمن عملية التهذيب العديد من الأساليب مثل: التعزيز الإيجابي، القدوة، التقليد.
3- لا تكن مربيًا مستبدًا ولا متساهلًا: في التربية الاستبدادية يكون كلا الأبوين أو أحدهما صارمًا لا يسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره وأفكاره ولا المشاركة باتخاذ القرارات حتى التي تخصّه، ولا تشجيعه للتفكير بحلول لمشكلاته. أما التربية المتساهلة التي يسمح الأبوان خلالها للطفل بالتصرف كما يحلو له دون مراقبة أو توجيه. أما الأسلوب التربوي الأصح هو "التربية الموثوقة"؛ إذ يكون الوالدين مرنين في التعامل مع الطفل ويسمحان له بالتعبير والمشاركة والتفكير في حلول لمشكلاته.
4- احرص على أن يكون جو الأسرة آمنًا ومستقرًا قدر المستطاع، ويتسّم بالمحبّة، فهذا الجو يساعد الطفل على تكوين صورة إيجابية للحياة.
5- كن قدوة بتصرفاتك وأقوالك كلها، لأن طفلك سيقلّدك حتى إن لم ترد أنت ذلك!. فكن حريصًا أمام طفلك الا تفعل ما تنهاه عنه!.
6- لا تقارن طفلك بالآخرين: إن مراعاة الفروق الفردية ضرورة في كل منزل ومؤسسة تربوية؛ حتى لا يشعر الطفل بالانتقاص وبأنه أقل من غيره.
7- لا تعنّف طفلك معنويًا: راقب عباراتك وألفاظك جيدًا، خاصة عند الغضب، فبعضها قد لا يتجاوز مدة لفظه 3 ثوان إلا أن تأثيره -خاصة إن تكرر- سيعيش مع طفلك لسنوات!.
8- اسمح لطفلك أن يكون مستقلًا: طفلك ليس ماردًا سحرياً، ولا يجب عليه أن يحقق كل أحلامك حتى تلك التي لم تستطع أنت تحققها!، فاسمح له أن يحدد رغباته واختياراته بعيدًا عن رغباتك أنت، ولكن مع استمرار دورك باعتبارك موجهًا ومساعدًا، وينبغي عليك أن تعلم أن أبناءك يعيشون في زمان غير زمانك، وعالم غير عالمك، وظروف غير ظروفك، فلا تتوقع منهم أن يكونوا نسخة منك.
وتذكّر دائمًا قوله عليه الصلاة والسلام: " كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيته"، فالأطفال مسؤولية كبرى ونعمة منّ الله بهم عليك فاشكر نعمته بحسن تربيتهم والحرص على التعلّم فالتربية علم مكتسب ولا عيب في ذلك، بل هو ضرورة.
بقلم/ سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي