كم تؤنسني أحاديث أمي وصديقاتها .. مزاحهن وتلك الضحكات التي تجعلك تبتسم فهي نابعة من صميم قلب دافئ .
هي شيء من النقاء والأصالة والصفاء وكأن الدنيا لم يمسها سوء أبداً.
مقدار ما يتخللها من الأنس وروح اليقين تبث الطمأنينة الكبيرة لهذا هي جانب من الأمان .
أمي وصديقاتها لم يكن ممن يُعرن الجوال اهتماماً إلا للإتصال فقط ؛ ولكن مع أزمة كورونا والحجر وهذا التغيير المفاجئ للدنيا فقد قامت أكثرهم إلماماً بالواتساب بعمل (قروب) وجمعت فيه نساء القرية، وانطلقن بالرسائل الصوتية وهذا ماخفف عنهن عبء الفراق والتباعد.
وقد أجزم أن رونق أروحهن لم يتغير أبداً بهذه الكارثة.
أصبحتُ أسمع تصبيحاتهن الجميلة و عادت الضحكات رغم عدم الاجتماع .. لقد أحسنّ استخدام الهاتف وكانت لهن الاختيارات الصحيحة..
عادت تجمعاتهن في الآونة الأخيرة وبحذر وأصبحن يقدرن هذه النعمة.
ماشدني أكثر في أحاديثهن وأنا غالباً لا تفوتني اجتماعتهن أبداً لحبي الانصات لهن وهن يتحدثن بصدق واحساس محمل بنبرات اصواتهن فهي دائماً تشعرني بالحنين والألفة...
أمي وصديقاتها يتنافسون في صيام الاثنين والخميس والأيام البيض من كل شهر
رغم ان كل منهم قد تجاوزن الخمسين عاماً ماجعلني أفكر هل صمتُ يوماً في سبيل الله عندما كنت في العشرين عاماً .. حقاً لا أتذكر
والحق يقال أن ما شجعني على صيام التطوع هن أمي وصديقاتها ...
هناك أيضاً أمر كان يلفتني عندما يجتمعن وهن ينصتن بكل حواسهن لكل من تتحدث، لم أرى أياً منهن أمسكت بهاتفها تتصفح أو تلتقط صورة لفنجال القهوة، أو تتحدث لهن عن شي شاهدته في هاتفها.
هذا المجلس المحفوف بكل أناقة ووقار وبهجة الاجتماع ملفت جداً.
الآن أصحبت لديهن وسائل التواصل الاجتماعي ومع ذلك لم تغير من عاداتهن شيئاً.
هل يصعب علينا أن نبقى كما كنا أما أننا يجب أن نتبع التحديث الجديد ؟!
كل واحدة منهم تشكو من مرض مزمن، وقد تمشي بصعوبة ومع ذاك في سياق حديثها قد ذكرت أنها قامت تصلي الضحى ...فكرت أني لا أتذكر متى آخر مرة صليتها بحجة اني أسهر ولا أستطيع الاستيقاض مبكراً .... ياله من عذر !!
لم أكن أحتاج إلى أكثر من مجلس أمي وصديقاتها حتى أعرف بأني قادرة على الاستفادة من وقتي وعمري وصحتي. الآن بإمكاني القيام بأمورٍ كثيرة قد تفيدني لديني ودنياي ليس علي الانتظار حتى يصعب قيامي بها ..
أطال الله عمر أمي وصديقاتها وأعمار أمهات المسلمين.
الكاتبة : منى الشهري