وفاء آل وافي
آحزان الروح تلك التي تُكتب بماء العُيون ، فتصل إلى القلب بأسرع ما يُمكن لأنّ الرثاء لا يخرج إلّا من قُلوباً مُحبّة ، وهي حالة نفسية وحساسة بحته لا يصل لها سوى أصحاب المَشاعر المُرهفة من القَادرين على الإحساس بالفَقد ، فيتم تَعويض ذلك الشّعور ببضع كَلمات وحُروف وخَواطر لتَنزف الحُزن مع كلّ كلمة.
رحم الله تلك الأرواح التي تركت فينا أعظم ذكريات ، رحم الله تلك الليالي والأيّام التي كُنَّا فيها معهم على خير حال ، فلا وجع ولا فراق حينها ؛ عوّض الله قلوبنا خيرًا وألهمنا الأجر.
لقد كان ألم الفراق مميتاً حقاً واخر من أحزنني فقد قبيلتي لثلاثة من كبار رجالها وأسيادها رحمهم الله في بضعة أشهر وكان الموت يأخذهم واحداً تلو الاخر في شهوراً وجيزة.
حقاً كانوا رجال دين وفخر ووجه للقبيلة في كل شي ؛؛ كان منهم ذات يداً بيضاء كريمة تجود بكل ما تملك وقلباً حنوناً والاخر كان ذات هيبه ونيةً صادقة وشجاعةً تفوق كل الرجال في زمنه واخرهم كان لدين مقاماً ومنبر وكان مؤذن لقاربة الخمسين عاماً وكان ايضاً مداوي شعبي وذات حمكةً عاليه وغيرهم كثر من فقدناهم ولكن أحزنني فقد هؤلاء الرجال في شهوراً متتالية ومن نفس العائلة.
إنّ منطق الحزن الأليم هو ذاته منذ سنوات بعيدة المدى ولكل من مات من الأهل والأحباب وهو ذكرى لا يُمكن للذاكرة أن تُفرّط بها ولو طالت السنين هي تلك اللحظات التي حفرت نقوشها في الرّوح بقلم من نار !
تبقى صور الأحبة خالدة في ذاكرة الإنسان مهما طالت وتَمادت السّنوات، فقدنا كبار القبيلة وهم: "العم والوالد عبدالله بن علي بن عائض والعم والوالد مستور بن علي بن عائض والعم والوالد عبدالغني بن عوضة الشمراني" رحم الله تلك الأنفس الطاهرة والقلوب البيضاء والنوايا الصافية ذات الصفات والسجايا الحميدة والجميع يشهد لهم بذلك.
إنّ الموت هو حكمة الله التي لا نستطيع معها سوى الصّبر، ولو كانت أرواحنا تستطيع استعادة أحدهم لما بخلنا فيها يومًا من الأيّام ، تتكاتف الحروف واللغات لتزيدني بكاءً فوق أحزاني، وتنزفني دموعاً مع كلّ حرف وذكرى جديدة ، فما تزال ذاكرتي تعزف أجمل مشاهد الحضور في القلب بلا نسيان.
رحم الله أرواحًا لن تعود مهما تعاظم الشوق لهم ومهما سالت العيون بدمعها ومهما أوجعنا فقدهم لا نملك سوى أن نحمد الله على كل حال وفي كل حين حمداً يليق بجلاله سبحانه عما سواه .