كانت حصة الجغرافيا حين كنت لا أزال على مقاعد الدراسة، بمثابة رحلة سياحية وأنا أربض بمكاني داخل الفصل، أو أثناء حل الواجب المنزلي، أتعرف من خلالها على عالمنا العربي والإسلامي، ومن ثم دول العالم كافة ، وما يميزها من مواقع استراتيجية وسطح ومناخ ومعالم وثرواث، وما الى ذلك مما تزخر به الدروس التي كانت بمثابة عبء على الزميلات اللاتي لا يترددن ببث لواعج الملل، وزفرات الضيق مما تحويه تلك المناهج من معلومات كثيرة غزيرة.
ولا أنسى استمتاعي برسم الخرائط وتلوينها، وتحديد عواصم الدول وموانئها وجبالها وأنهارها، الى جانب الإستمتاع بتقليب صفحات أطلس العالم بصفحاته الملونة، حقا كانت جولة جميلة قد لا يتفق معي الكثيرون حولها .
الأهم من ذلك كله ومما رسخ في ذهني : أن السودان سلة غذاء الدول العربية.
وأن الذهب الأسود (النفط) في دول الخليج أهم ثروات عالمنا العربي.
وأن الذهب الأبيض (القطن) في مصر من أجود أنواع القطن بالعالم.
وأن لبنان أهم دولة للمنتجات الزراعية وسوريا ودول المغرب العربي .
وغيرها الكثير مما تتنوع بها الثروات الحيوانية والزراعية والسمكية والمعادن، الى جانب المواقع الاستراتيجية والمنافذ البحرية، والتعداد السكاني الذي يتفاوت من دولة لأخرى .
كبر حلمي بأن يكون عالمنا العربي قوة إقتصادية كبرى، تستقل بقرارها وتحقق الرخاء والإزدهار لشعوبها، وتنهض بها بعيدا عن سيطرة الغرب وأطماعه، ومحاولات فرض الإذعان على حكومات العالم العربي بالفتن الداخلية تارة، والحروب تارة، والنزاعات على الحدود تارات .
إضافة الى إغراقه بالديون تحت دعوى القروض وبزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع .. قلة ثرية متخمة بالثروات .. وكثرة تحت خط الفقر وتقلص الطبقة المتوسطة.
وكلما عقد إجتماع قمة للدول العربية، ينهض التفاؤل ويتنامى الحلم بوضع خطط استراتيجية تترجم على أرض الواقع ما تعلمناه في مناهجنا، من قدرة عالمنا العربي على الإستفادة من خيراته، وتسخير إمكانياته لنهضته وإستقلال إرادته، والتخلص من التبعية للغرب، والقوى المهيمنة على إقتصاد العالم .
خاصة ولدينا متخصصين في شتى المجالات التي برعوا بها وقد استقطبهم الغرب للإستفادة من خبراتهم وعلمهم وتجاربهم - وهذا جانب آخر من جوانب السعي لإضعاف عالمنا العربي - وتفريغه من طاقاته وإشغاله في قضايا تباعد ما بينه وبين تحقيق التنمية والرفاه لشعوب المنطقة بالتكامل الاقتصادي والبشري والعملي.
عقود مرت ولا زال الحلم قائما عصيا على الإستسلام والإنهزام أمام جحافل المكائد التي تحاك لتشتيت قوة العالم العربي الاقتصادية وتفتيت أي محاولة لجمع كلمته وتحقيق إرادته.
فهل نرى هذا الحلم حقيقة؟؟