عمر يار الأراكاني
عاش قرابة رُبع قرن من الزمان في أحلك الظلام، لم يكن ظلاماً عادياً، كان ظلاماً دامساً تزامنتْ معه الويلات، عاش ظلمة التعذيب، ظلمة الهجرة، ظلمة الفقر المدقع، ظلمة فراق الوطن، ظلمة العيش والقهر في المنفى ، بل الأدهى والأمَرّ كانت ظلمة فقد البصر أشد ألما.
لو أننا مكثنا خِلسةً، وحال بين رؤيتِنا شيئاً، لأفْقَدنا الصواب، يَظل الجزع في ازدياد ، بل أيّ جزع؟ ربما يكون ذاك الجزع سبباً لانتقالنا من دار الفناء إلى دار البقاء.. يا تُرى كمْ وكيف صمَد هذا المسنّ الروهنجي؟ كيف كان يقضي يومَه عندما فقد بصَره؟ بل كيف خَطا كل تلك المسافات.. وهاجر البلاد..؟
كيف كان يَدْأب في المنفى التي فيها الحياة شبه معدومة، ليست شبه معدومة فقط، ولعل أبلغ تعبير للحياة في مخيمات اللجوء ببنغلادش أن أقول: بأنها معدومةٌ كلياً، جملةً وتفصيلاً، بل مُعرضة للكثير من المخاطر وشتّى الأمراض والكوارث.
المسنّ الروهنجي: لم يترك موطناً من مواطن الإجابة إلا وقد كان يناجي ربّه، بأن يسدل ستار الظلام عن عينيه، ليَرى النور وقدرة الخالق، من شمس وقمر وسماء.. والأهل والخل والأحفاد.. ويَدب في أراضي الله الواسعة.. ويعبده حق العبادة.
ابتلاه الله.. فصبر.. واشتد فصمد.. واشتد أكثر فازداد صموداً وصبراً، كأنه علم بأن لله حكمة في كل ذلك، واستسلم لقضائه وقدره.
وفي يوم ما، وعلى قارعة الطريق، أدرج الله بعد شقاء طويلة فريق #التآخي و#جمعية_أراكان، فقاموا بعيادته وأجرَوا على عينيه العمليات.. وأبصرَ بعد طول عناء ومدة.. وأنارُوا حياتَه كالبَدر المنيرِ في اللّيالي الظّلماء، وأشرَقوا بصيرَته كطلوعِ شمسِ الصّباح، وزيّنوا لياليه المعتِمة كالنجوم الساطعة في السماء.
يقولُ وعيناهُ تسيلان الدموع: الله هو الذّي أرسَلكم إليّ، لكي أبْصر الدنيا، عشتُ قرابةَ ربع قرنٍ ولم أكن أرى شيئاً، وأنا عاجز عن قول أيّ شيء، فلعل دموعي أبلغ تعبير.
إني لم أر في حياتي مسنّاً بلغ في العمر عِتياً، واشتعل رأسه شيباً، يبكي بكاءً شديداً ويذرف الدموع بهذا القدر، إلا في هذا الموطن، تخيل!! كيفَ يستطيع أن يمسك عن دموعه وهو عانى زمناً، وتعذب دهراً، وعن وطنه شرداً، وعن أبنائه وأحفاده فرقا.
فعن كل دمعةٍ سالتْ منْ عَينَيْه وراءَها آلافاً من القصص وكومةً من المعاناة.. ولم تنته الحكاية.
التعليقات 1
1 ping
إبراهيم نور الإسلام
19/11/2018 في 5:24 ص[3] رابط التعليق
كلمات في قمة الروعة والعينين تدمع
الله يوفقك الى الأمام