دائماً ما تُصنف العلاقة القائمة بين السياسة والثقافة بأنهما ضدان لا يجتمعان، وأن كلاً منهما يحمل تناقضاً أكثر من الآخر؛ وذلك بسبب اختلاف طبيعة كل منهما، إلا أن صوت المملكة في الأمم المتحدة ومندوبها الدائم بنيويورك السفير عبدالله بن يحيى المعلمي أكد في كلمته التي ألقاها خلال المحاضرة التي استضافه فيها نادي الأحساء الأدبي ووسِمت بعنوان (صوت المملكة في الأمم المتحدة بين السياسة والثقافة)، خلاف ذلك، وفي هذا السياق نقل المعلمي خلال ثنايا كلمته صورًا تُبرهن ذلك، أبرزها المُساجلات الحادة التي تدور حول قضية الأزمة السورية ويستعين المتحاورون فيها بسلاح الثقافة الأدبية كالأبيات الشعرية، بآلية يكاد لا يكون لها مثيل.
المحاضرة التي عالجت مضامينها نواحي سياسية وثقافية، بدءًا بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مرورًا بتساؤل المجتمع عن إصلاحات مجلس الأمن وحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الدول الدائمة العضوية، وجدوى الأمم المتحدة ومدى نجاحها في علاج الصراعات الدولية، وإنجازاته، انتهاءً بدور الثقافة في العمل الدبلوماسي وواقعها، استُهلت بأبيات شعرية تعود للشاعر الأحسائي محمد بن عبدالله الحدب جاء فيها:
هب النسيم على هجر فقال لها ** إني أحبك ، بالتقبيل أخجلها
قالت فديتك مهلا فالألى عشقوا ** مني العيون إذا ما سال منبعها
لكنما رحلوا والنبع متصل ** فخذ بعبرة درس ، ثم كن نزها
فالعاشقون تغنوا في الحسا طربا ** كل يريد بأن يحظى بخطبتها
هي الحساء جمالا ترتدي حللا ** الرأس منها يضاهي حسن أخمصها
مبدأ المملكة ودورها في الأمم المتحدة
مُستعرضاً المحور السياسي الذي تحدث خلاله عن صوت المملكة الذي يصدح عالياً بالحق ويرفض الباطل في أروقة الأمم المتحدة منذ أكثر من 70 عام، قائلاً: ” أن دور المملكة في الأمم المتحدة ينطلق من القول الذي نطق به سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز آنذاك حينما قال: “فلنجعل الإيمان الذي قاد مؤتمرنا إلى النجاح يقود خطواتنا المستقبلية، ولنعمل على المحافظة على المبادئ التي دونّاها هنا في الميثاق، ولننبذ إلى الأبد الأنانية والطمع والاضطهاد والظلم، ولنجعل من هذا الميثاق أساساً صلباً نبني عليه عالمنا الجديد الأفضل”، أثناء توقيع ميثاق الأمم المتحدة.
“الدبلوماسية بلا ثقافة قد تصبح طنطنة جوفاء”..!
وعن الدور الذي تلعبه الثقافة في العمل الدبلوماسي في الأمم المتحدة، كشف المعلمي عن أسرار الثقافة وأهميتها في بناء الدبلوماسي الناجح، الذي يُسخرها في بناء مواقفه ودعم حججه، والارتواء منها توسع من نطاقات الدبلوماسي وتعزز من شبكة معارفه واستشرافه للمستقبل في بناء مواقفه، مُعرباً عن أن الدبلوماسية من دون ثقافة قد تصبح طنطنة جوفاء.
مكانة الثقافة من الدبلوماسية
هذا وقد اعتبر المعلمي في حديثه أن :(الثقافة باتت ركناً أساسياً من أركان ما يُعرف بـــ”الثقافة الناعمة”؛ بل جزء لا يتجزأ من أدوات العمل الدبلوماسي، وأن عدداً من الانفراجات الدولية تمت عن طريق المبادرات الثقافية، بمختلف فنونها ومجالاتها كالموسيقى والمسرح والمعارض الأدبية والثقافية، التي جابت العالم، بعد أزمة احتلال الكويت ومعارض الآثار والسياحة، التي تُقام الآن في أماكن مختلفة من العالم).
مُشيراً إلى أن ذلك يصب في بناء الصورة النمطية الإيجابية للبلاد ويُهيء الأرضية المناسبة للعمل الدبلوماسي.
الدبلوماسية بالنسبة للثقافة
“إذاً فالثقافة هي روح الجسد الدبلوماسي، وحسه وموسيقاه، وبدونها يفتقد العمل الدبلوماسي إلى النغمة والهمسة والنسيم”، بتلك الكلمات اختتم المعلمي محاضرته، مُبينناً أن وفد المملكة العربية السعودية في نيويورك يُدرك التحديات والمتطلبات التي منها نظم العديد من المناسبات والفعاليات الثقافية كان من بينها: معرض الرياض الذي أُقيم بالتعاون مع هيئة تطوير الرياض، وحفل إهداء المملكة قطعة من كسوة الكعبة المُشرفة إلى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى حفلات اليوم الوطني المتتابعة، الاحتفالات الفنية التشكيلية والشعر النسائي السعودي، الذي أقيم في مقر الأمم المتحدة، إلى جانب العديد من المناسبات والفعاليات الهامة.
بدوره رئيس نادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر بن عبدالله الشهري، أعرب عن بالغ سعادته، وسعادة الأحساء بكافة مثقفيها ونخيلها وأرضها بهذه المناسبة التي تأتي ضمن سلسلة من المناسبات الوطنية التي تعيشها المملكة عامة والأحساء خاصة، وتفخر بها، بدءً من الاحتفال بتجديد البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ووضع سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مشروع مدينة الملك سلمان “سبارك”، واختيار الأحساء عاصمة للسياحة العربية للعام 2019م، الأمر الذي يجعلنا نفخر بذلك وندعو الله أن يُديم علينا أمنه وأمانه.
موجهاً شُكره للسفير المعلمي صوت المملكة في الأمم المتحدة وشكره على محاضرته القيمة وتلبيته الدعوة، كما شكر مدير المحاضرة الإعلام الأستاذ سبأ باهبري، الذي أجاب الدعوة بالرغم من انشغاله.
الجدير بالذكر أن هذه الندوة التي عُقدت مساء يوم أمس الأربعاء 5/4/1440هـ الموافق 12/12/2018م، ورأسها الإعلامي الأستاذ سبأ باهبري، وتأتي ضمن سلسلة من النشاطات الوطنية، التي يواصل نادي الأحساء الأدبي عبر منتداه الثقافي نشرها.