
أكد أستاذ واستشاري غدد الصماء وسكري الأطفال بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة البروفيسور عبدالمعين عيد الأغا ، أن الإفراط في استخدام الشاشات أصبح من أخطر الظواهر التي تهدد الجيل الناشئ في ظل التحولات الرقمية السريعة التي يشهدها العالم ، إذ إن التعلق المفرط بالأجهزة الإلكترونية من هواتف ذكية وأجهزة لوحية وتلفاز انعكس بصورة مباشرة على قدرات الأطفال في التركيز والتعلم ويحدّ من مهاراتهم العقلية والاجتماعية، ويضعف من قدراتهم على التفكير الإيجابي.
وأشار إلى أن السنوات الأولى من عمر الطفل تعد المرحلة الأهم في بناء الدماغ وتطور قدراته الإدراكية، ولهذا فإن السماح للأطفال بقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات دون رقابة أو توجيه يُعد خطأ تربويًا جسيماً، إذ يتسبب في إضعاف الانتباه وتشتت التركيز وتقليل الرغبة في الأنشطة الواقعية التي تُنمّي الذكاء الاجتماعي واللغوي.
وأضاف أن الحاجة باتت ملحة اليوم إلى ترسيخ عادات رقمية صحية منذ سن مبكرة، من خلال وضع حدود زمنية واضحة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، وتوجيه الأطفال نحو محتوى مفيد وآمن يتناسب مع أعمارهم، بما يضمن أن تكون التكنولوجيا وسيلة للتعلم والمعرفة وليست وسيلة للعزلة والانطواء.
ولفت البروفيسور الأغا إلى أن هناك العديد من الدراسات الحديثة التي أطلقت تحذيرات بضرورة تقنين ساعات استخدام الأطفال للأجهزة لمنع تدهور مستواهم التعليمي ، ومنها دراسة كندية حديثة أجريت في مقاطعة أونتاريو على مدى 15 عامًا الأخيرة ، حيث تم تتبع سلوكيات آلاف الأطفال منذ المراحل الأولى من حياتهم الدراسية وحتى مرحلة المراهقة ، وبينت الدراسة أن الأطفال الذين يقضون فترات طويلة أمام الشاشات، سواء في مشاهدة التلفاز أو استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية، يحققون نتائج دراسية أدنى مقارنة بأقرانهم الذين يمضون وقتًا أقل في التعامل مع الأجهزة ، وأرجع الباحثون السبب إلى تراجع القدرة على التركيز والانتباه، إلى جانب تأثير قلة النوم الناتجة عن الاستخدام الليلي للشاشات، وهو ما ينعكس سلبًا على الأداء الدراسي والمزاج العام.
وشدّد البروفيسور الأغا على أن الأسرة تمثل حجر الأساس في بناء السلوك الرقمي المتوازن، فهي التي تحدد ملامح استخدام الطفل للتقنية، وتغرس في ذهنه مفهوم الاعتدال والاختيار الواعي للمحتوى ، فالدور التربوي للأبوين لا يقوم على المنع وحده، بل على التوجيه والإقناع، فالحوار الهادئ والمناقشة الهادفة تزرع في الطفل الوعي الذاتي بأهمية تنظيم الوقت والتمييز بين الاستخدام المفيد والاستهلاك السلبي للتكنولوجيا.
ودعا البروفيسور الأغا الأسر إلى تخصيص فترات خالية من الأجهزة في المنزل، مثل أوقات الوجبات أو الجلسات العائلية، لتعزيز التفاعل الإنساني والاجتماعي داخل الأسرة، وتذكير الأطفال بأن التواصل الحقيقي لا يتم عبر الشاشات بل عبر العيون والابتسامات والكلمات الصادقة.
وفي ختام تصريحه قدّم البروفيسور الأغا مجموعة من النصائح الصحية الموجهة للأطفال لتساعدهم على الاستخدام السليم للتكنولوجيا، وتحقيق التوازن بين العالم الرقمي والحياة الواقعية وهي : تحديد وقت يومي معتدل لاستخدام الأجهزة لا يتجاوز ساعتين يوميا ، الابتعاد عن الشاشات نهائياً قبل النوم ، لأن الضوء الأزرق المنبعث منها يؤثر سلبًا في جودة النوم ونشاط الدماغ ، متابعة ومراقبة المحتوى الذي يتابعه الأبناء ، حثهم على ممارسة الرياضة أو الهوايات اليدوية بشكل منتظم، لتعويض الجلوس الطويل أمام الأجهزة وتنشيط الجسد والعقل ، الحرص على قضاء أوقات كافية مع العائلة وأنشطة مباشرة تعزز مهارات التواصل الاجتماعي والذكاء العاطفي.