في جميع العلاقات الانسانية كي يستقيم أمرها ويدوم الود ، يتطلب منا الأمر كثير من سعة البال ، وكثير من غض النظر ، وبعض من التغافل، وربما التماس شيء من العذر، والكثير الكثير من التسامح والعفو عن الزلات ، وعن النقائص وعن المثالب التي يتعامل بها الآخرون معنا ممن حرموا الخلق الرفيع ، والأدب الجم والسمو بالتعامل والترفع عن الاسفاف.
قد يقول قائل :
ما الذي يجبرك على قبول التعامل مع هذه الأجناس من البشر أصحاب هذه النفوس الضعيفة والقيم الهزيلة ؟!
أولئك الذين ينظرون للأمور وللعلاقات من زاوية ضيقة .. زاوية المصلحة الذاتية والشخصية والآنية والأنانية ، غير ناظرين لأبعد من أنوفهم ، وغير مدركين ما وراء هذه الجولات من المنفعة المؤقتة والرخيصة ، أو ما يورثه الغرور والثقة العمياء بالنفس أو الاعتداد بالمنصب أو المكانة الاجتماعية، في تقلبات الأيام وانكشاف الحقائق وتعري المواقف، من ألم وحسرة حيث لا ينفع الندم ولا التحسر ولا التألم على ما فات .
من العلاقات مانحن مضطرون إليها اضطرارا ومنها ما قد تكون زمالة عمل أو رفقة درب ، أو صلة قربى فرضها الزمن، ويحدث أن تتعامل مع من يحسبون أنهم ملكوا الأمور بأيديهم، وما أدركوا أن الحياة اذا اخضر منها جانب اصفر منها جانب، وإذا ضحكت لهم اليوم ستكشر عن أنيابها بالغد، وأن من حسبوا أنهم أصدقاء اليوم .. المطبلون والمزمرون والمراءون مهزومون عنك ولو بعد حين ، وأنهم يوما ما الى حقيقتهم عائدون، وبأصول معادنهم المزيفة مكشوفون .
والأعجب من كل هؤلاء من نفوسهم المريضة تلقي بظلالها على الآخرين فتراهم بعين طبعها، وتلبسهم غير ماهم عليه، و تضع فيهم من الصفات ، و تطلق عليهم من الألقاب ما هي أولى به .
مثل هؤلاء لا طاقة للنفس السوية التعامل معها سوى بتفويض أمرها لله تعالى أولا، ثم بالإشفاق عليها والدعاء لها بالشفاء.
وقبل كل هذا وذاك تتمثل قوله تعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)