إن المتابعين للأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط ينقسمون في تحديد أسباب هذه الأوضاع في تحليلاتهم إلى ما يلي:
1- قسم يربط الأوضاع بما بعد انتهاء مفعول اتفاقية (سايكس - بيكو) الشهيرة التي تم توقيعها عام (1916) وانتهى مفعولها بمرور 100 عام على اعتمادها، ويربطون ذلك بالتصريح الشهير لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندا ليزا رايس) التي تكلمت عن الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط لإعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في العالم العربي، وما نتج عن ذلك مما أطلق عليه مسمى الربيع العربي وثوراته المضادة وما آلت اليه من فشل أدى إلى ضحايا وخسائر كبيرة في كل المجالات.. السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. بسبب الخروج على الحاكم الذي تمت مبايعته شرعا أو عرفا أو قانونا وفقا لدساتير الدول المعنية وعدم اتباع الطرق الشرعية لمعالجة الأوضاع بسياسة الإصلاح التدريجي والمدروس للمحافظة على وحدة الوطن والمواطنين، بدلا من اتباع طرق ثورات الخراب العربي التي أدت إلى ضياع الهوية والوحدة الوطنية والحروب الأهلية.
2- قسم ثانٍ يربط الأوضاع الحاصلة بقوى إقليمية غير عربية مؤثرة وعلى رأسها إيران التي لها أطماع إقليمية ذات أبعاد سياسية وقومية ومذهبية وجغرافية بجذور فارسية مجوسية، وهذه حقيقة ثابتة عن إيران منذ قيام ما سمي بالثورة الإسلامية الشيعية في إيران عام 1979 بقيادة آية الله الخميني الذي قرر في دستور ثورته تصديرها إلى البلدان العربية المجاورة مستخدما المؤامرات والحروب والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول.. ولعل حرب إيران مع العراق لمدة ثماني سنوات وسيطرتها على العراق بعد سقوط صدام حسين وبناء أذرعها السياسية والمذهبية والعسكرية والإعلامية في البلدان العربية وتدخلها في سورية واليمن والبحرين ولبنان وغيرها من الدول العربية ونشر مذهبها (الجعفري) في كثير من الدول العربية والإسلامية خير دليل على عدوانيتها وتوسعها وتصدير ثورتها للهيمنة على البلدان العربية والسيطرة على مقدرات شعوبها، وهذه الدولة المارقة ذات البعد الصفوي الفارسي المجوسي هي من حيث النظرة التوسعية امتداد لنظرة حكم شاه إيران السابق (محمد رضا بهلوي) الذي ثار الخميني ضده، حيث كان يعتبر نفسه ملك الملوك وشرطي الخليج العربي بموافقة من الدول الغربية. أما القوى الإقليمية الأخرى فأبرزها تركيا أو ما يسمى بالعثمانيين الجدد العائدين إلى الساحة السياسية الإقليمية لاستكمال الصراع الذي دار في الماضي بين الصفويين الفرس والعثمانيين، وهي تعتقد بأن البلدان العربية دول سنية ولدت من رحم الدولة العثمانية وأن مصالحها القومية تستوجب أن يكون لها رأي في الشؤون العربية، ما دام أن هناك تدخلات إقليمية (إيران وإسرائيل) وتدخلات دولية (أمريكا وروسيا وأوروبا والصين) في شؤون البلدان العربية، كذلك فإن خوف تركيا من إنشاء كيان دولة كردية مستقلة على حدودها الجنوبية بعد تقسيم سورية والعراق يجعلها أكثر خوفا وعدوانية وحذرا وحساسية تجاه ما تخطط له القوى الإقليمية والدولية الكبرى حيال سورية والعراق ودول الخليج العربية التي يقول الغرب عنها إنها نشأت في غفلة من القوى العظمى أثناء الحرب العالمية الثانية وتسيطر على عناصر الطاقة العالمية والممرات الإستراتيجية.
أما القوة الإقليمية الأخرى غير الإسلامية والمتمثلة في إسرائيل، فهي تعتبر شعبها شعب الله المختار وأرضها (فلسطين المحتلة) هبة من الله. وهي التي تسير القوى الغربية وتحرضها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وحضاريا ضد الأمة العربية والإسلامية، وتقود عناصر الفساد والتغريب داخل الوطن العربي، وهي ذات خطط توسعية تعتمد على محاربة العروبة والإسلام وإبادة العرب، ولم تذكر في دستورها أن لها حدودا دولية لأنها تريد إنشاء دولتها التوراتية من النيل إلى الفرات ولها دور كبير في إثارة الفتن والقلاقل والحروب والمظاهر الهدامة في الوطن العربي لإشغال هذه الأمة بنفسها وتدميرها في نهاية المطاف.
3- قسم من المتابعين والمحللين يزعمون بأن السبب في الأوضاع الراهنة هو العامل المحلي داخل الوطن العربي، فهناك قادة وحكومات أساءوا التعامل مع أوطانهم ومع شعوبهم إلى درجة الخيانة فسرقوا ثروات الأوطان وأفقروا الشعوب وحرموها من حقوقها الطبيعية في تحقيق العدل والمساواة والعيش بحرية وكرامة وبنوا جيوشا تخدم مصالحهم الشخصية والعائلية وأشعلوا الحروب الأهلية في دولهم وأوجدوا أسباب نشأة المنظمات والميليشيات والكيانات الإرهابية مثل «داعش»، و«حزب الله»، و«القاعدة» والحشد الشعبي، والحوثيون، وغيرهم.. والأدلة الصارخة على ذلك كما يقال ما قام به الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن ونيرون سورية بشار الأسد في الشام ومعمر القذافي في ليبيا وحكام العراق المذهبيون الحاليون وحكام قطر المساندون لميليشيات إيران، والخارجون على الإجماع العربي والخليجي، وغيرهم ممن يدعون أنهم يخدمون شعوبهم وهي منهم براء.
4- مما تم التطرق إليه، فإن المحلل والخبير الإستراتيجي المنصف والمحترف والمنطقي يستنتج الحقيقة المرة، وهي أن ما يحصل في البلدان العربية من حروب وصراعات وأزمات هي نتيجة للعامل المختلط من العوامل الدولية والإقليمية والمحلية فجميعها تضافرت للإيقاع بهذه الأمة وطمس معالمها الحضارية وعقيدتها الدينية وصفاتها التاريخية والتحكم في حاضرها وتحديد مستقبلها الذي يحقق مصالح الدول الإقليمية والدولية على حساب مصالح شعوب هذه المنطقة، ولعل العامل المحلي هو الذي يمثل (حصان طروادة) الذي استخدمته القوى الإقليمية والدولية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، فالعرب بخلافاتهم وتشرذمهم وكيد بعضهم لبعض وعدم مصداقيتهم في حل القضايا والخلافات البينية العربية والقضايا المصيرية أدت إلى فساد وضعف القيادات والحكومات العربية، ما أدى إلى ظهور الأطماع الإقليمية والدولية.
وهنا علينا أن نربط في هذه الحالة ما يحدث لهذه الأمة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال مخبرا عما سوف يحدث في آخر الزمان «تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، قلنا (وهم الصحابة الكرام): أمن قلة يا رسول الله..؟ قال: بل من كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل» متفق عليه. وهناك حديث آخر «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»، إذن يتضح لنا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن واقع الأمة أن العامل المحلي الفاسد والضعيف (حصان طروادة) هو المدخل للعوامل الإقليمية والدولية للعبث بهذه الأمة ومقدراتها كما أنبأنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ولتوضيح الصورة أكثر نقول إن ما نبت وظهر داخل شعوب الأمة العربية من مظاهر وعوامل داخلية سياسية تمثلت في وجود بعض الحكام الطغاة والفاسدين والمتشبثين بالسلطة والذين يسرقون ثروات شعوبهم وينفقونها لتحقيق أحلامهم الشخصية وخدمة عمالتهم لأعداء الأمة مثل نظام سورية الحالي ورئيس اليمن السابق وزعيم ليبيا السابق وغيرهم من الحكام الذين تمردوا على الشرعية الخليجية والعربية والثوابت الدينية والقومية وظن بعضهم أن دولهم كبرى رغم صغرها وتحالفوا جميعا مع القوى الإقليمية والدولية ضد مصلحة أوطانهم وشعوبهم، كل ذلك كان له نتائج كارثية على شعوبهم ومستقبل هذه الأمة.
وهناك مظاهر اجتماعية أخرى أدت بسبب تخاذل الحكام العرب إلى السقوط للهاوية، وقد تمثلت في تحلل الكثير من أبناء هذه الأمة وابتعادهم عن ثوابتهم الحضارية والدينية، ما جعلهم غثاء كغثاء السيل قال تعالى «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..» الآية.. ومن المظاهر الاجتماعية الأخرى التي خطط لها الأعداء ظاهرة انتشار المخدرات وتراجع القيم وتقليد المظاهر السيئة من الحضارة الغربية، أما الظواهر الأخرى التي تدخل ضمن العامل الداخلي فتمثلت في الأفكار الدينية والعلمانية والليبرالية المتطرفة، وتجدد ظهور المذاهب الرافضية والظواهر الإثنية والعرقية والقومية وتشكيل منظمات وكيانات تمثلها وتعبث بمصير الأمة هذه المظاهر أدت إلى التنازع على القيادة والسيطرة في داخل الأمة، وهذا أعطى القوى الإقليمية والدولية المتربصة الفرصة فاستبيحت بيضة الأمة من القوى الإقليمية والدولية.
5- مما سبق يتضح لنا أن بلاء الأمة وسقوطها وعدم تقدمها بسبب العامل المحلي، سياسات خرقاء وتناحر بين الأشقاء وفساد لم يوجد له دواء وإبادة حكام لشعوبهم من أجل البقاء وإعلام كاذب ورخيص ليس له انتماء، هذه بعض من سمات وصفات العامل المحلي (حصان طروادة) الذي يعتبر السبب في إعطاء القوى الإقليمية والدولية الفرصة للتسابق و«الاستفراس» للسيطرة على هذه الأمة ومقدراتها.
6- رغم خيبة الأمل والإحباط والخذلان والتشتت ومخططات القوى الإقليمية والدولية للسيطرة على هذه الأمة، ظهر في هذا العقد فارس نفض الغبار عن هذه الأمة المريضة وعالج ويعالج الأسباب التي أدت وستؤدي إلى انهيار الأمة بالكامل وفقدانها لهويتها القومية والحضارية والدينية، فقام هذا القائد الفارس الشجاع (الملك سلمان بن عبدالعزيز) بالوقوف في وجه أعداء الأمة عندما أطلق عاصفة الحزم في وجه التوسع والتمدد الصفوي الفارسي المجوسي المتجاهل عمدا من بعض القوى الدولية، ثم قام بضرب أذرع العمالة للأجنبي (أفرادا ومنظمات وميليشيات وأحزابا وحكام دول، وما زال مستمرا على هذا النهج) سواء داخل الوطن السعودي أو على مستوى الخليج العربي والعالم العربي. كما قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بلم شمل الأمة العربية والأمة الإسلامية فأنشأ التحالف العربي الذي يشارك حاليا في عاصفة الحزم في اليمن، وأنشأ التحالف الإسلامي العسكري لإظهار قدرة الأمتين العربية والإسلامية على الصمود واستعدادهما للوقوف صفا واحدا في وجه من يريد شرا للعرب والإسلام والمسلمين، ولقد توجت جهود الملك سلمان بن عبدالعزيز بانعقاد مؤتمر الرياض الذي ضم اجتماع رؤساء وممثلين عن 55 دولة عربية وإسلامية مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (دونالد ترمب) وما ظهر عن مؤتمر الرياض من نتائج باهرة والتي من أهمها إزالة التشويه المتعمد الذي فرضته القوى المعادية عن المملكة العربية السعودية وعن الإسلام والمسلمين، وكذلك إنشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب وإنشاء قوة الناتو (NATO) العربية لمكافحة الإرهاب. إن من إنجازات الملك سلمان بن عبدالعزيز -سدد الله خطاه- الوقوف بحزم وعزم ضد من يسعى للتآمر على الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي فأوقف الصغير المتطفل والكبير المارق والمنافق الغادر عند حدودهم وأخضع من يدعي أنه قوة محلية أو إقليمية أو دولية للوقوف أمام الخطوط الحمراء وعدم تجاوزها بأي شكل وبأي حال من الأحوال... هكذا عالج الملك المخضرم والشجاع أوضاع من يتطاول على الكيان والثوابت والوجود، فسجل له التاريخ أنه أعاد للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والأمتين العربية والإسلامية هيبتها ونفوذها معتمدا على الله ثم على أبناء شعب المملكة العربية السعودية الذي يقف صفا واحدا خلف هذا الزعيم السياسي المخضرم والمتزن الحكيم الحامل بفخر لقب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي وحد كلمة الأمتين العربية والإسلامية وجمع قوتهما وما كان هذا ليحدث لولا إرادة الله وتوفيقه ودعمه لجهود هذا الفارس الشجاع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيزآل سعود( حفظه الله )