يحيى سليمان العمري الفيفي
الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كَثُر في الآونة الأخيرة قومٌ متفيقهون لا يفقهون ، متعيلمون لا يعلمون ، بل هم متفيهقون() ، متشدقون ، أبواقٌ للعدو ، يتكلم أحدهم في أمور لا يعلم ماهيَ ، تجده يتحدث في فنٍ لا يجيد حتى نطق اسمه ، يتطاول على الناس بالكلام ، ويطعن في هذا وذاك ، يملأ فيهِ بكلام حفظه دون أن يعلم معناه ، أو قرأه وفهمه على غير ماقُصد به ، وقد يصل به الأمر إلى الطعن في الدين ومن ينتسب إليه ، يثرثر في كل مناسبة ، وفي كل وقت ومكان ، لا تستجد قضية ولا تظهر حادثة إلا وهو العالم بها ، المطلع على خوافيها ، المتفرد بأسرارها ، هو الوحيد الذي اكتشف مكامنها، وسبَر أغوارها، تجده يكذب في كل محفل ، يظهر نفسه عالماً مثقفاً ، لا يجاريه أحد ، يخالف الناس ليُعرف ، يخالف العقل والمنطق ، ويتخبط هنا وهناك ، مغتراً بالمصفقين له ،يحاول التحدث بالغريب من الكلام ليلفت إليه الانتباه ، يتكبر ويتعالى على الناس ظناً منه أنه عالمٌ مثقفٌ لا يصل إليه أحد ، وذلك بجهله وضعف عقله ، فقد قيل : "كلما ازداد المرء علمًا ازداد لله تواضعًا" ، فإذا ما رأيتَ العكس في شخص ما دلك ذلك على جهله .
يكثر أولئك المتفيقهون في مواقع التواصل الاجتماعي لأنه منبر مفتوح يجدون فيه ظالتهم ، ولو فتشت عن شهادة أحدهم العلمية لوجدته يملك أدنى الشهادات -إن وجدت-، أو عن مصادر معلوماته فإذا هي – للأسف الشديد-مواقع التواصل الاجتماعي من يوتيوب وفيسبوك ووتساب وغيرهم ، أو يبحث في محركات البحث لتحيله على مواقع ومنتديات لا تمت للمصداقية بصلة ، وقد تكون مواقع مُغرضة، تسعى لتشويه الإسلام وأهله ، أو مواقع مؤسسةٌ للطعن والتفرقة بين المسلمين .
ومن جهله لم يعلم أنه من شرار خلق الله وأبعدهم من النبي صلَّ الله عليه وسلم وأبغضهم إليه يوم القيامة ، كما ورد في حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون ؟ قال: المتكبرون" . صححه الألباني.
وقد سماه النبي صلَّ الله عليه وسلم (الرويبضة) كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ خدَّاعاتٌ يُصدَّقُ فيها الكاذبُ ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ ويخوَّنُ فيها الأمينُ ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة، قيلَ : يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ ؟ قالَ : الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ . السلسلة الصحيحة
فهو تافه جاهل يرى في نفسه نقصٌ وضعفٌ يحاول أن يكمله بما يرى فيه بصيص أمل ولو كان فيه خطرٌ على دينه أو أمنه وأمن وطنه ومجتمعه ، يسعى للارتقاء بنفسه على حساب الآخرين .
فنقول له – هدانا الله وإياك – من حقك أن تسعى للإرتقاء والظهور ، ولكن بطرق سليمة ، ومسالك آمنة ، وليس بمبدأ " خالف تعرف "، ولا أظنك إن علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم هذا السلوك وحذر منه سيعجبك، بل المتوقع منك أن تصحح مسارك وتسعى للعلو من مسالكه الصحيحة الثابتة القوية الآمنة، فارتقِ أخيَّ بسلم ثابت قوي آمن يوصلك إلى مبتغاك ، وتذكر أن رقيك على سـلـَّمٌ من قَش لن يوصلك ولو خُيل لك ، بل سيوقعك إلى أبعد ما كنت .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه : يحيى العُمَري الفيفي