مشعل أبا الودع
في حياتنا مساحات نعيشها، نراها لكن نحاول تجاهلها، والغريب في الأمر أنها متحركة ونتفاجأ بتحركها خلفنا حيثما نسير، هي فقط مساحات شاسعة من الخارج، لا ندري هل هي أنفاس الأيام أم متاع الليالي ؟ أم أنها خلجات انفجرت داخلنا لم يكن لها دوي قط !
حين نتذكر آباءنا وأجدادنا وأقاربنا الذين انتقلوا إلى العالم الآخر قبل بناء الوطن وقبل أن تكتحل عيونهم بأشعة الحرية بعد زمن السلب والنهب، غالباً مايمر بأذهاننا أن نتساءل كم كانت ستغدو دهشتهم وفرحتهم لو استيقضوا من النوم الطويل في القبور وخرجوا إلى عالم النور في دار الممر وتلفتوا حولهم كم سيكون عجبهم من كل ذلك الذي لم يكن معروفاً ولا مألوفاً في الحياة في عصرهم !
كم ستكون دهشتهم بالواتس وربط عدد٢٥٠ عضواً والحديث على شاشة ! وكم غبطتهم عن مشاهدة تويتر والمطارات والطائرات العملاقة كيف تحلق كالنسر القوي وكيف دخولهم للمطار وكأنهم غرباء داخله وحولهم من جنسيات العالم، غرباء سيفرحون بعجائب الحرية والرفاهية التي ينعم بها أحفادهم، رغم اندهاشهم يبقى الأمر عادياً بالنسبة إلينا وننظر لها بلا مبالاة ، أشياء ماكانوا ليحلموا بها حتى في أغرب أحلامهم .
الجد عمر رجل طاعن بالسن عاش في قريته في الرابعة والتسعون من عمره الطويل في قرية جبلية بعيدة تتألف من عدة بيوت وحظائر كعش الطير في وادي ظليل ، كان هذا الرجل رغم أنه عاش في قسوة زمن الماضي نشيط في تلك الحياة الشاقة ، لم يكن يعيش في نفسه سوى ملامح الماضي وفِي ذاكرة شيخوخته النشيطة سيل عارم قاتم من الذكريات البشعة، التفت للجيل الحالي من أحفاده وقال أنتم بجنة الدنيا واكسبوا في دينكم جنة الآخرة واشكروا الله على ما أنتم به من نعم ووفرة العيش واستتباب الأمن وادعوا لمن وحد شتاتكم في وسط عالم مضطرب طغت فيه المصالح بتهميش المباديء .