أنزل الله تبارك وتعالى علينا الإسلام العظيم ليكون دينًا متكاملًا شاملًا لكافة مناحي الحياة، في صلاح الناس في دينهم ودنياهم، هو الشريعة وهو العقيدة، هو العبادات وهو المعاملات، أنزله لينتظم عقد حياة الإنسان في سلسلة واحدة، حباتها هي كافة ما يلزم الإنسان في دينه ودنياه، وحبلها المتين هو كتابه العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم التي فيها كل ما من شأنه صلاح الدين وانتظام الدنيا
وقد كان مما عمل الإسلام على تنظيمه والارتقاء به إلى أسمى الدرجات هو علاقة الإنسان بالآخرين، وكيفية تعامله معهم بما يضمن خلق مجتمع إسلامي راقٍ، تسود العلاقة بين أفراده قواعد ربانية، وتعليمات نبوية كافية حسن هذه العلاقة وتميزها لتكون بالشكل الأمثل في الرقي والتهذيب، فجاءت الكثير من الآيات القرآنية والتعليمات النبوية لتنظم لنا آداب التعامل مع الآخر على اختلاف أنواع ودرجات هذا الآخر، ثم فصّل لنا في التعامل مع الوالدين والبر بهما وحسن معاملتها وطاعتهما في غير معصية الله ومصاحبتهما بالمعروف في الدنيا حتى لو كانا كافرين، ونظم قواعد التعامل مع الجار، فأمر بالإحسان إليه وعدم إيذائه وصلته بالخير، وكذلك أمر بصلة الأرحام والإحسان إليهم وبرهم وزيارتهم، ونظم أساليب التعامل حتى في الطريق، فجعل للطريق آدابًا وسلوكيات، وللسوق آدابًا وسلوكيات، وهكذا نرى أن ديننا العظيم وضع لنا خارطة طريق كاملة تنتظم كافة مجالات تعاملنا مع الآخر، وترتقي بها وتهذبها بما ينسجم مع الشخصية المطلوبة للإنسان المسلم، والتي تقوم على العدل، والذي أساسه وجوهره: "إعطاء كل ذي حقٍ حقه".
ومن المجالات التي نظم فيها الإسلام العظيم العلاقة بين الناس مسألة إنزال الناس منازلهم وإعطائهم قدرهم من المكانة والاحترام بما يناسب حالهم، فالكبير له مكانته من التوقير والاحترام، والصغير له حقه في العطف والرعاية والتوجيه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا ) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي و ايضاً قال صلى الله عليه وسلم "أنزلوا الناس منازلهم" رواه أبو داود، وقد جاء في "جوامع الأخيار" كلام جميل حول هذا الحديث الشريف، نقتطف منه ما يلي: "وهذا الحديث لا شك أنه عظيم، على ضوئه يتعامل المسلمون مع بعض، فالكبير له معاملة، والصغير له معاملة، العالم له معاملة، والمتعلّم له معاملة ، ومن الظلم للإنسان أن يعامل الكبير معاملة صبي صغير، من الظلم أيضًا أن يُعامل الصغير بمنزلة شيخ كبير".
ومن تعاليم الإسلام العظيم في هذا الشأن أيضًا توقير الأكبر سنًا ومخاطبته ومناداته بالصيغة التي توحي باحترامه وتقديره، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ اللبن فشرب منه، ثم قال لابن عباس رضي الله عنه وهو عن يمينه: أما أن الشربة لك، ولكن أتأذن أن أسقي عمك؟ يعني: خالد بن الوليد وكان على يساره" رواه أحمد.
وفي هذا الحديث العظيم أكثر من درس ورسالة، ففيه تسمية الأكبر سنًا بالعم، كناية عن احترامه وتقديره وإنزاله مكانته التي تليق به حتى لو لم يكن عمًا حقيقيًا لك، ولكن لسنه الكبيرة تناديه بذلك احترامًا له، كما أن في الحديث إشارة إلى أن هذا الاحترام والتوقير لكبير السن أولى حتى من الالتزام بالسنة الخاصة بآداب الضيافة والتقديم، والتي تنص على أن تبدأ بالناس من اليمين إلى اليسار، فنلاحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بخالد بن الوليد مع أنه كان على يساره، ونلحظ هنا إشارة ذوقية جميلة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي استئذان صاحب الشأن في هذه الحالة؛ فقد استأذن رسولنا الكريم من ابن عباس الذي كان على يمينه بأن يتجاوز عن دوره ويبدأ بالأكبر سنًا، فما أرقاه من دين وما أعظمه من نبي الذي يهذب حياتنا ويرتقي بها إلى هذه المكانة الرفيعة من الأدب والاحترام مع الجميع، ويجعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على مكانته العظيمة وقدره الرفيع يستأذن الصبي الصغير قبل أن يتجاوز عن دوره للأكبر منه سنًا.
ولعل من السلوكيات التي تفوت على بعض الناس في هذا المقام هي احترام كبير القدر حتى لو كان أصغر سنٍ من عمٍ أو خالٍ او رئيس في العمل، فهذه من الاعتبارات الذوقية والسلوكية التي ينبغي التنبه لها ، وبالتالي نحفظ لهم هذه المكانة.
فكم هو حري بنا أن نتأمل في هذه القيم والمعاني، وأن نتدبّرها ونمتثلها في حياتنا، ونحرص على غرسها في أبنائنا وأحفادنا لتكون دليلًا لهم في التعامل، ولنتخلص من بعض الممارسات والسلوكيات المزعجة في حياتنا وتعاملاتنا التي تخلوا من هذا الرقي والتهذيب الراقي الذي أراده الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لنا، لنكون فعلًا "خير أمة أخرجت للناس".



التعليقات 2
2 pings
سعود السويهري
08/06/2020 في 12:41 م[3] رابط التعليق
فعلا مقاله رائعه جدا شكرا لك اخي سعود السويهري
ابو ناصر العنزي
08/06/2020 في 2:22 م[3] رابط التعليق
عندما يخط القلم مع صفاء النية والإحاطة في التخصص مع ابداع الكتابة ينهمر حينها شلال من التعبير يروي عقول ويبل أفئدة (( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )) والحكمة رغم صعوبتها فهي سهل المعنى هي ان تضع الشيء موضعه
رسمت الاتجاه ، وأشرت للدليل ، صادق الكلمة واثق الخطى مقاله تكتب من ذهب
سلمت ودمت
تقبل المرور محبك