ضيف الله الحازمي
يأتي الرحيل الأبدي مباغتا حزينا يتركنا بين لوعة الفقد وانتظار المواعيد التي لن تأتي، ومهما راقبنا تلك البوابات لعل غائبا يعود إلا وعدنا بذات الروح المنكسرة إلا من وعد مؤجل برحمة الله التي نسأله تمامها ونعيمها.
منذ أشهر رحل الشاعران الأديبان العلمان أحمد الحربي وأحمد البهكلي، اللذان لونا لوحة الشعر والأدب أعواما طويلة بأجمل الألوان ونثرا شذا عطره في حدائق الشعر الوارفة بكل جميل، ومابين الأحمدين ترتسم حكاية الرحيل وتحيلنا إلى مُسْتَيقَن لاتخالطه الشكوك أن العمر قصير وأننا كلما توهمنا أنّ الحياة وصفة للسلوان وإذ بها عنوان للأحزان والله المستعان.
كان أحمد البهكلي يتعزى كثيرا بأبي أسامة أحمد الحربي وصبره الذي أصبح وسماً له لطول الألم الذي رافق مسيرته لسنوات طوال، وكان ترياقه الذي واجه به الألم والمرض وجرعات الكيماوي تلك الابتسامة الآسرة والمبهجة العجيبة التي تعيد فينا التماسك كلما ناوشتنا رماح الحياة، فلما رحل إلى ربه فكأنما انكشف الغطاء عنا جميعاً وأصبح القلب يتلفت خشية فقدٍ آخر يأخذ منا آخر حصون الصبر التي نقضتها الحياة قطعة قطعة من جَلَدنا ونَزْفِ شرايننا التي أرهقها توالي الرحيل الذي كان ختامه صبيحة نهار ليس كأي نهار عادي نستهل فيه صباحنا بذلك الرحيل الموحش حد الرهبة، والموغل في الحزن حد الفجيعة بعد أن ادّخَرْنا من ابتهالاتنا لأبي عبدالرحمن الكثير بالعافية وبعد أن تدثرنا بالخشية كل يوم طوال إصابته بكورونا.
رحل هذان العلمان ونحن أشد مانكون حاجة لأمثالهم من الكبار الذين كتبوا عناوين التربية بكل مسؤولية، والذين تحملوا ثقل المهمة بكل شموخ، حيث كانا رحمهما الله يمثلان المثقف الذي وفى بما للثقافة من نبل وشيم، والأديب الشاعر الذي ارتقى منبر الكلمة بكل سمو، والإنسان الذي تعامل مع الإنسان بكل تلك الروح فأحسنوا الأداء فيها جميعا باقتدار الكبار وبهمة الكرام أهل العزم.
رحلوا وقد تركوا خلفهم نتاجاً فخما يأتي في مقدمته تلك المحبة التي حفتهما أحياء في كل مكان، ثم شيعتهما عند الرحيل بكل الحزن المتوشح بالاحترام الذي يليق بالأحمدين المحمودين في الحياة والممات.
التعليقات 1
1 pings
حسن الوالد
08/06/2022 في 12:21 م[3] رابط التعليق
ما أجمله حضورا وحرفا هذا الأشم الرائع الاستاذ ضيف الله الحازمي .. حينما يخط قلمه حرفا فإنه بلاشك سيرسمك معه فكرا وحينما يتحدث فإنه سيأخذ بلبك سموا
وهنا حلق بنا في رحيل آلمنا كثيرا وأبرز لنا في سطور علمين عظيمين في الشعر والأدب رحمهما الله واسكنهما فسيح جنته