الكاتب : جابر المالكي
رجل البسمات في المهمات، النور في الليالي المظلمات، ناصح أمين، وكنز محبة ثمين، لا يعرف الوعيد والتهديد، وتلقاه في مختلف المواعيد، اتخذ الحجارة في شبابه وسادة، وتدثر بالساطة والطيب زيادة، كان عبر مراحل طلب الرزق وتوفير لقمة العيش الكريم لأسرته واحدا لم يتغير لا في غنى، ولا في فقر.
يسبق الجميع إلى مقر عمله مصطحبا من منزله كفايته من الغذاء والقهوة والشاي ليشرك العامل والزبون في لقمته وشربته وكوب شاهيه وقهوته وسط كلمات الممازحة الممزوجة بالحمد والشكر.
عرفته بحسب زمالة الأحبة من أبنائه منذ خطواتي الأولى في دنيا القراءة والكتابة، وأشهد الله على حبه وإجلاله، فما رأيت منه إلا الجميل، وما سمعت غير كلمات النصح الممهورة بالحب وإشراقة المحيا الجليل، يبادرنا بموجز كلمات ضاحكة تأنس لها النفوس، وتبتهج الخواطر، ثم يردف بالسؤال عن الحال وكل غال، ويترك لنا كامل المساحة للبقاء والأخذ والعطاء وكيف نشاء.
تنقل بين جدة والداير، واستفاد من التجارب ولم يقطع الأواصر
لا يعرف الدكتاتورية ولا فرض الأمر الواقع حتى على أبنائه وفلذات كبده فاتحا لهم أفق التحليق في الحياة ومجالات العمل كل حسب اختياره، فمنهم من استمر تحت جناحه، ومنهم من ضرب في الأرض باحثا عن فرصة وظيفة يطل منها على نافذة عمل شريف يباري فيه مكانة الأب الحبيب، ويعضد به زند أخ خياله لا يغيب.
مرت ب(أبي علي) كل المآسي، فثبت ثبوت الرواسي، وعانى الشظف والضيق ومرارة القدر، ولعل من أمر ما مر حتى على مختلف البشر فقده لزوجته الأولى و(٦ ) من أسرته بين ابن وحفيد في لحظة واحدة- يرحمهم الله جميعا وسائر أموات المؤمنين والمسلمين- إنها واحدة من سحب الفقد ورعود الحنين والأنين التي تهد الحيل، ولكنه لم يتضعضع إيمانه، ولا اهتزت أركانه، ومع مرور الزمن كلت قدماه عن مواصلة الخطى ليعيش باقي عمره بين بيته وميدان عمله محاطا بابنيه( حسن وجابر) وإخوتهما الأصغر، ومدعوما بمراقبة الكبيرين ( علي ومحمد) ومضمخا بحنان زوجته الثانية وعاطفة بناته وأنسابه وكل من حواليه ولعدة سنوات ظل خلالها راضيا مرضيا صابرا محتسبا حتى وافاه الأجل صبيحة الثلاثاء(١٤٤٤/٦/٢٥).
يرحم الله ذلك الشيخ ( أحمد بن سلمان المالكي) السهل في تعامله، الجبل في صبره، الفقيد العلم في قبره، وأحسن الله العزاء فيه لكافة أسرته وعشيرته وقبيلته ولكل من عرفه وأحبه " إنا لله وإنا إليه راجعون".