الكاتبة : مرام الحربي
نعيشُ حياةً سريعة رتيبة لا نفقه مابها على أمل صناعة حيَاة زرعنا شكلها في مخيّلتنا، نظُن بأنّنا نُعمّر بيوتاً بملاحقة أحلامُنا ونحنُ نهدِم بالإنتظار لذة عيشِ الحياة، نحارب يقيننا خوفاً، نُنمِّي شكوكنا جَهْلاً، نعيشُ وهم غاية الوصول المستمر، ونُعرّي بالعجلَة آمالاً من قلوب كانت تعيشُ على أملٍ سديد سكنَنا وسكنَّاه.
تعرف ماذا يعني أن يعيش إنسان طوال حياته من شدّة تمسّكه بالأمل، ينفُر منه الأمل، فيبحث مرةً أخرى جاهداً عن أمل!
أن يعيش متأمّلاً عجولاً ببقعةَ ضوءٍ مؤقتة لا تلبث أن تختفي سريعاً كضوء الشّمسِ حينَ ينتهي بالغُروب ثم الظّلام الحالِك!
أن يعيش هذا الإنسان وقد تبدّد أمله ولم يدنُو أجله فيظل يُصارع البقاء بلا أسلحة فتّاكة ظاهرة، سلاحهُ ناعمٌ خفيّ وهو شعُوره المُلحّ برغبة العيش كريماً، قوياً، سعيداً، هذا أقصى طموحه إن حقّقه! وأيضاً أقسَى طموحه إن لم يُحقّقه.
ولكنّي كإنسان مثل الآخرين يلهَث كي يُحقق مايُريد، يلهَث كي يُحدِث في حياته علامة فارقة يُعرف بها، يقسى على نفسه وينسى حياته ويومه ولحظته بل وأحبّته لأجل صناعة حياة رسمها في مُخيّلته يظُن لو حققها أنه كسَب الرّهان من حياته!
ولكنّني أيضاً كإنسان قد جرَّب اللَّهث وراء الآمال ونسيَ ماقدّمت يداهُ من أشياء عدّة جميلة أقول: بئسَ ذلك! بئسَ أن نبحث ولا نترك لأنفسنا مجالاً كي نعيش، بئسَ أن نلهث ولا نترك لأرواحنا مجالاً كي تسكُن وتستريح.
بئسَ أن نُشكّك جهلاً بقيمة مازرعناهُ وأن نُميت يقيننا خوفاً فيما حصدناهُ، نخاف لأنّنا نظنّه قليل وأنّ لازال علينا أن نزرَع.
نخاف دائماً أنّ مكاسبنا قليلة وحصادُنا ضئيل، وأنّ علينا زرع الكثير بهوَس حتّى نجني الكثير بهوَس أكبر! نخافُ أنّنا لم نُقدّم بعد، ولم نحصُل على شيء بعد، تُرعبنا فكرة أن نجتهد بِدون ضوضاء الإستعجال ودون العكْف على وهْم الآمال ثم نعيشُ السُّكون ويأتي الحصاد ونجني المكاسب ونصنَع حياةً جميلة بتلك المكاسب، كل ذلك ونحنُ لازلنا نعيش الحيَاة، ونستمتع بها، لم يُلهينا الإجتهاد العاقل عن مُلاحظة سِرْب طيور الصّباح أو عن لذّة قهوَة المساء ولم يُلهينا أيضاً عن تأمُّل تفاصيل صغيرة لذيذة تُنعش اليوم الذي نحنُ فيه وتصنعه! كُل ذلك يكون بتركِ دَاء العجَل، وترك دَاء التعلّق بشراسةٍ بالأمل حتّى فزِع الأمَل.
تأمّل: لماذا لا نحقّق مانُريد ونعلُو ونكسَب ونُنتِج ولكنّ! لا ننسَى أن نعيش الواقع، اللّحظة، لا ننسَى علاقاتنا والأحبّة، نستقطع وقتاً للحياة والحُب والمرَح ولرفاهية الرّوح، لماذا لا... نعيشُ الحيَاةَ على مهَل!.