قلت له صباح الخير..
فقال مهلا ، غيرها بالله عليك لأي عبارة بما فيها قود مورننق وبونجور أقدر اتفاهم معك ، أما صباح الخير فقد أصبحت بالنسبة لي كالقولون إذا هاجمك قبل النوم ، فقلت ما حكايتك؟
فقال ببساطة تفتح عينيك صباحا لتقول لمن حولك صباح الخير فيلتفت أحدهم باستغراب وربما بشيء من الامتعاض وكأنه يقول وماشأني بصباحك الوردي أو القاتم ، ثم تتجاوزه قليلا وتقول صباح الخير لجارك في الشقة المقابلة فلاتكاد تسمع منه سوى آخر مقطع من جملة من كلمتين ولاتدري هل رد بصباح الخير أو غور في ستين داهية ، أو أي شيء لامعنى له ، ثم تصل إلى مطعم تمر به أحياناً لأخذ بعض احتياجك منه فتقول له صباح القشطة بدلاً من رهاب صباح الخير ، فلا يلتفت إليك ويرد عليك من طرف لسانه ، السوق خال من القشطة اليوم ومن ثم فلا معنى لكلامك سوى السخرية منا!
فتبدأ رحلة الانسحاب وتحلف أغلض الأيمان أنك محب وتريد الخير لكل العالم بمافيهم زبائن الفول والطعمية في محله المشهور جداً ، فيزم شفاهه صاحب ذلك المطعم ويعطيك طلبك وقد هشم نصف الخبز فتغادر وغنيمتك السلامة..
ثم وأنت تصل إلى وجهتك في بلاط العمل وديوان الشغل حيث تقول صباح الخير لثلاثة يحتلون معك ذات المكتب ، أحدهم يدس وجهه في جريدة يهزها قليلا مع تمتمات خفية برد بارد يشبه قراءة نشرة الأخبار في آخر الليل التي تغم العالم بزيادة ضحايا كورونا ، والآخر مشغول بإيقاع اللايكات على آخر نكتة نزلت لتشنع بالفريق الخصم لفريقه وهو يقهقه بتلك الضحكات البلهاء دون أن يدرك من العالم سوى ألوان فريقه وذلك المقهى الذي يأوي إليه مع ثلة أصحابه لمناقشة آخر النكات التي تصرع الفريق الخصم وتخرجه من سباق الدوري...
وثالثهم لايعرفك إلا أول الشهر عندما يصر على جمع فرقية الشاي والقهوة والكابتشينو التي يوفرها للجميع في الغرفة طوال الشهر ترافقه ابتسامة من استرجع حقوقه المسلوبة ثم تختفي تلك الابتسامة إلى آخر الشهر..
وأراد الاسترسال فقلت وقف وأنت صرت مثلهم صبحت عليك ولو أدري ماكلمتك حتى ، فقال اعذرني قدني موسوس من ذي الصباحات المغرقة في الهم فقلت له استودعك الله أتركني أهرب من وسواسك قبل أن أصبح أنا أكثر وسواسا ويزيد العالم واحدا في سجل المرضى بالمجان..