هذا الكرسي الحزين كرسي الأحقادِ في الأصل الذي يجلس عليه واحد من البشر يُطلق عليه لقب مديرٍ لإدارةٍ أو جهة أو وحدة أو حتى غرفة أو صندقة أو رئيس قسم داخل الإدارة.
وبعد أَن يجلس عليهِ تتحول إدارة هذا المدير إِلَى محل حلاقة أو صالون مِزين يتسابق الصنايعية والمنافقين والمتملقين وأصحاب إن وأخواتها من حوله للقيام بما يزيد على واجبهم المهني تجاهه ومن يحسن ويتفوق في تزيين وتلميع هذا المدير على الرغم أَن بعضهم لا ينظف مهما كَثر دعْكه وتلميعه حتى بجميع المنظفات والمعقمات ؟ فله البيضا وتمطر عليه سحابة الرضا والحسنات ويضمن حياة سعيدة ملْؤها الحرية والأمان ويعمل مايريد ويصبح ممن يقال فيهم باللهجة الدارجة والعامية قرصُه في السمن.
فما دام هذا المدير راضيا عليه فَلَا ضيْر بل أنه في خير لأنه تمكن من الوصول إِلَىٰ قلب هذا المدير وثبتَ فِيشه الثلاثيةَ بنجاح بسبب النفاق والتملق والخداع والكذب الذي كان يستخدمه معه ومع من سبقوه من أجل الوصول إلى أهدافه القذرة.
بل أصبح يشارك في صنع نصف القرار إن لم يكن القرار بأكمله وهنا يختلّ ميزان المحاسبة فيصير المقصر المقرّب منتجا ومبدعًا، والمبدعُ غير المرغوبِ فيه مقصرًا وساذَجًا ، ولولَم يأتِ بما هو جدير بالرضا والتكريم هَكَذَا هي حقيقة كرسي المدير في بعض الجهات التي تمَارَس على المستوى الخاص والإطار الضيق، إنها ثقافة وتاريخ سَنَّه ذلك الكرسي لكل من يجلس عليه.
لكن في المقابلِ كيف هو حال من لا يهواه المديرُ ، أو هو لا يهوى المدير؟ وحيد وفِي عُزْلَة وإنتاجُه مهما تميزَ أو كبُر فلا أهميةَ له أو قيمة ما دام لم يصادفْ هَوَىً وقلبًا خاليًا فيتمكن. وقد يَكون هو زاهد في حب المدير المسؤول أو التقرب منه أو حتى في إبداء مجاملة رشيقة تلفت انتباه المدير وتزيدهُ كبرياءً على كبريائه، أو تلْهِمه نرجسية على نرجسيه.
بل على العكس إنها تؤَرِّقه كثيرًا إذا كان هذا المعزول الوحيد لم ينافق أويتملق أو يوافق أو يفارق بل هو يتجاوز فكرة التأريق لمديره إِلَى ما يعْرَف بالمرض والعبء الثقيل عليه، مما يجعلُ هذا المريض أَن يفكِّر بالابتعاد عن أولئك الأَصِحاء لأن مظاهرَهم الخداعة لا تؤثر فيه بشيءٍ ولأنه يؤمن بأنّ ذلك الكرسي قد يَهْوِي يوما بصاحبه الذي كان عليه حتى يصبح كأن شيئًا لم يكن، ولربما فَكّر هذا المريض بحكمة ونظر إِلَىٰ عزْلتِه عنهم بنظرةٍ فلسفية عميقةٍ.
أنّ مظهر الآخرين شيءٌ ينبغي تمزيقه واختراقُه للوصولِ إليهم ومحاولة التعايش معهم وحتى الوقوف أمامهم بكلّ تحد ومنافسة وروحٍ شامخة وقوية مهما كَبرَت آلامُه وانكساراتُه لأن وعيَه عظيم وراقٍ، بل أعظم وأرقىٰ بكثيرٍ من أي وعي آخر ولأنّه يؤمن بالحكمة السلفية التي قالَهَا المتنبي الذي ملأَ الدنيا وشغلَ النَّاسَ.
وَقَدْ يَتَزَيَّا بِالهَوَى غَيْر أَهْلِه
وَيَسْتَصْحِب الإنسان مَنْ لا يلَائِمُه
ومعنى البيت هو أنّ الإنسانَ قد يتكلفُ الهَوَىٰ وهو ليس مِنْ أَهْلِ الهَوَى، كما أَنَّه قد يصاحب شخصًا ، ولا يكونُ هذا الشخص ملائمًا له ولا على حتى مَشرَبِه.
التعليقات 1
1 pings
Abu mayyar
02/09/2024 في 1:53 م[3] رابط التعليق
كلام في الصميم دائماً للأسف أصحاب العلاقات (قرصه في السمن) على حساب أهل الكفاءات