الكاتبة : غاليه نعمة الله
مع اكتمال بناء سد النكبة ( النهضة ) وقرب اكتمال المرحلة الخامسة من ملئ بحيرة السد دون تنسيق أو تشاور مسبق معنا كالعادة .
اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي والمنصات الإعلامية وكذا المتخصصين والخبراء الإستراتيجيين وغير الإستراتيجيين بالتعليقات والتقديرات المتنوعة والمتضاربه غالباً .
وللأسف بدا جليّا وجود معسكرين بكتائبهما الإلكترونية أحدهما موالٍ للقيادة والآخر معارض لها .
وبقي السواد الأعظم من الشعب وكالعادة أيضاً في حيرة من أمره .. وازداد الوضع اضطراباً وغموضاً مع تنامي نشاط هذين المعسكرين .
وإن لم يخفِ ذلك الإنطباع العام السائد عن قلق الناس وحساسيتهم إزاء قضية مستقبل مصر ووجودها ذاته.
وللأسف الشديد أدلي الخبراء والأساتذه المتخصصين بدلوهم أيضاً وبما زاد الأمور تشابكاً والتباساً .
فبعض الخبراء يري أن هناك مبالغة في تضخيم مخاطر السد وفي قدرته الحقيقية علي توليد الكهرباء وأن أثيوبيا ستضطر لتمرير كل مياه النيل الأزرق مرغمة لمصر والسودان مع تشغيل أربع مولدات فقط من الإثني عشر مولداً المصمم علي أساسهم السد.
وبالتالي فلا يوجد مبرر لشن حرب من أجل سد لن يوقف فعلياً تدفق المياه لدولتي المصب.
وهناك من يري أخطاءاً في التصميم. وآخرين يرون باحتمالات انهيار السد.
وكأن من بنوه من الخبراء الإيطاليين وغيرهم لم يمرو بكلية الهندسة أثناء دراستهم .
في حين يحمل آخرون النظام الحالي المسئولية الكاملة عن تأزم الوضع ووصولنا إلي هذه المرحلة الحساسة من عمر قضية تعود بداياتها إلي ستينات القرن الماضي .
ويلقون بكل اللوم علي النظام الحالي لاستمراره في مهزلة المفاوضات العبثية وفي توقيع اتفاق المبادئ عام ٢٠١٥ الذي أضر بموقف مصر .. وأمور كثيرة أخري .
وأعتقد أن كل هذا الجدل كان متوقعاً ، وأراه نتاجاً طبيعياً لحالة الإستقطاب الحادة التي نمر بها الآن لأسباب سياسية واقتصادية وداخلية ومجتمعية وأخري مرتبطه بحرية الرأي والممارسة الديمقراطيه وانسداد الأفق السياسي وغير ذلك من قضايا لا يتسع المجال للخوض فيها هنا وفي هذا التوقيت وسيكون أيضاً من باب الجدل غير المبرر الخوض في تفنيد حجج كلا الطرفين ودوافعها ومدي وجاهتها أو ضرورتها .
ولكن أكتفي مؤقتا بتعريف مختصر لرؤيتي لسد النهضة وما سيليه من سدود تقترب من المائة سد شرعت إثيوبيا بالفعل في وضع حجر أساس ثلاثة منها .
سد النهضة يعني بكل بساطة وبعيداً عن الجدل والتنظير أن دولة تعتبر المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل فرضت وللمرة الأولي في تاريخ النهر إرادتها المنفردة وأقامت سداً لحجز مياه النهر والتحكم في تدفقها إلي دولتي المصب بإرادتها المنفردة .
وبالتالي فإن هذه الحقيقة المرة وبعيداً عن كل التقديرات الفنية المؤيده أو المعارضة تكشف زيف البعض وتجردهم من ورقة التوت التي يحاولون بها إخفاء عجزهم وضعف موقفهم .
سبق أن ذكرت مراراً : وعلى مدار سنوات أن إثيوبيا لن توقع قصاصة ورق واحدة تقيد حقها في بناء السدود وتشغيلها دون إذن أو تنسيق مسبق مع أحد .
وأنها تري في مياه النيل ثروة طبيعية ملك لها .. وأن لها كل الحق في تسعيرها وبيعها مستقبلاً .
وأنها في سبيل ذلك تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وبحقوق دول الحوض الأخري خاصة مصر التي تعتمد تماماً علي مياه النيل .
ماذا إذا نجحت إثيوبيا مستقبلاً في بناء باقي السدود المعلن عنها ؟
هل لدينا دراسة علمية محايدة رصينة جادة عن مدي تأثير مثل هذه السدود على مصر ؟
هذا هو بيت القصيد .. وهذه هي الحقيقة المجردة شئنا قبولها أم أنكرناها .
ومن العيب والعار علي ذوي الأجندات المؤيدة أو المعارضة أن ينكرو الحقائق أو أن يحاولو لييَّها وتزييفها لخدمة أهداف ضيقة محدودة وقصيرة النظر.
ما يتهددنا من أخطار جسيمة في قضية السدود والمياه يتطلب مواقف أخري وخبراء ورجال آخرين .. وقبل ذلك بالطبع حكومة بتوجهات مختلفه .
وقد لا أكون مبالغاآ بشكل كبير إذا قلت أن الأمر ربما يستدعي ظهور شعب آخر غيرنا يدرك ويقدر حقيقة الحدث الجلل الذي نحن وجيلنا كله بصدده الآن .