يتزامن يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية هذا العام الميلادي 2025 الموافق للعام الهجري 1446 مع وضع غاية في التعقيد على مستوى العالم، تعقيد صنعه الإنسان بنزقه وغروره وتطرفه، وهو ماجعل الأمور تصل إلى الحافة التي كادت أن تُودي بالإنسانية إلى منحدر من الفناء والعدم فيما لو استمر التصعيد إلى مالاتحمد عقباه، لذا كان لزاما أن يواجه ذلك المستوى من التطرف الانتحاري بمستوى يفوقه من الحكمة والهدوء الإصلاحي، فكانت السعودية هي الحل عبر مدينة الدرعية، تلك المدينة الحاضرة في وجدان ووعي الشعب السعودي أنها منطلق التغيير الأعظم في عمر الدولة السعودية منذ انطلاقتها المباركة قبل ثلاثمائة عام.
إن السعودية بكل فرادة الانطلاقة الأولى تعلم ماتمثله من رسوخ الهوية، وفخامة التوجه الإنساني، الذي جعل حياة الانسان وإعمار الحياة هدفها الأول الذي لاتراجع عنه، وهو وضع لطالما تبنته القيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وولي عهده الأمين صــاحــب الــســمــو الــمــلــكـــي الأمير محمد بن سلمان وفقه الله، خاصة وهما يعلمان أن هذا المستوى من المسؤولية مكلف مجهد كثير العداوات، كثير المتربصين، ومع ذلك لم يترددا لحظة واحدة مع فريق عملهما في الانخراط بمحبة وشغف لنزع فتيل العالم بكل قوة وحزم وأمانة.
إن هذا العالم الذي يستعجل ويسرّع حدوث قيامته الكبرى بحاجة ماسة إلى السعودية وقيادتها بكل ماتمثله من شرف الكلمة والمنطلق والمبدأ، لتكبح كل ذلك الاندفاع المحموم نحو الفناء، لأنها المؤهلة الوحيدة لكتابة التاريخ الأبيض للبشرية، القائم على المصداقية والأمانة والمصالح المتبادلة المكفولة للجميع، بعد أن فقد العالم ثقته في الشعوب والحكومات المتنفذة التي لم تعد تبصر سوى ذواتها المتضخمة المريضة.
بالأمس القريب اجتمع أقطاب الشرق والغرب في الدرعية بما تمثله من دلالة التأسيس وكأن العالم يشاركنا فرحة المناسبة، وذكرى الانطلاقة، أتى الجميع إلى المكان الذي يثقون فيه بصدق توجه شعبنا وقيادتنا نحو قضايا العالم، أتوا وهم يعلمون يقينا أن هذا الشعب بقيادته ضامن كبير لكل مايحدث على أرضه من اتفاقات يمكن لها أن تحمي الإنسانية من بعض الانزلاقات والحماقات التي قد تُودي بالعالم إلى نهاية سريعة مدمرة، لهذا لم يترددوا في المجيء إلى أرض السلام والإسلام، وموئل العروبة وكلهم ثقة أن هذا الشعب بقيادته الصادقة تريد سلاما حقيقيا يقوم على التكافؤ والمصالح المشتركة الحقيقية.
ختاما لابد من القول أن العالم ليس بحاجة للقوة والسلاح والزعامة القائمة على الهيمنة والاضطهاد وفرض السيطرة على الشعوب والمجتمعات، بقدر حاجته إلى الإرادة الخيرة الشغوفة بالحياة والعيش الكريم الآمن التي يستحقها كل من يتنفس على هذا الكون، وحتما فإن السعودية حريصة على تحقيق ذلك، وهي تسخّر نفسها وقواتها وطاقاتها ومواردها من أجل هذه الغاية الجليلة الجميلة، إيمانا منها أن الزبد يذهب جفاء، وأن ماينفع الناس حتما سيبقى في الأرض التي يستخلف الله فيها من يشاء من عباده لإقامة الحق والعدل والسلام.