الكاتبة : هويدا المرشود
قبل أن تبدأ الشمس رحلتها نحو الأفق، تنشط أسواق بريدة وعنيزة في القصيم بحيوية لا تضاهى. من ساعات الفجر الأولى، يبدأ البائعون بعرض صناديق التمر في مزادات صاخبة، يعلو صوتهم مرددين بحماس «مية مية مية مية مية مية»، تعبيرًا عن ثقتهم وجودة منتجاتهم، وكأنهم يقدمون وعدًا صادقًا للمشترين.
تتجمع أعداد كبيرة من الرجال من مختلف المناطق، حاملين صناديق التمر، ليشاركوا في هذا الحدث الذي أصبح يعرف محليًا بـ”كرنفال التمور”.
بريدة، كعاصمة إدارية لمنطقة القصيم، تستضيف أكبر هذه المزادات، وتعتبر مركزًا تجاريًا حيويًا للتبادل التجاري في موسم التمور.
من جانبها، تلعب عنيزة دورًا مكملاً ومهمًا، حيث تستضيف فعاليات متنوعة تشمل الفحص والمعاينة الدقيقة للتمور من خلال مختبرات حديثة تدعم الجودة وتعزز الثقة في المنتج.
القصيم تمثل أكثر من 60% من إنتاج التمور في المملكة، حيث يصل الإنتاج السنوي إلى نحو 300 ألف طن. هذا الإنتاج الضخم لا يقتصر على السوق المحلي فقط، بل يمتد ليصل إلى أكثر من 30 دولة حول العالم، ما يجعل موسم التمور في القصيم حدثًا اقتصاديًا واجتماعيًا ذا تأثير واسع.
هذا الموسم ليس فقط فترة تجارية، بل هو مناسبة حيوية لشباب القصيم الذين يرون في هذا الشهر فرصة لبناء مستقبلهم الاقتصادي. كثير من الشباب يعملون في المزارع، وفي أسواق المزادات، وفي الخدمات المرتبطة بالمهرجان، ما يجعل “شهر الذهب” لهم بمثابة بوابة لتحقيق الطموحات وتطوير مهاراتهم.
ولا يغيب عن الأعين تواجد الصغار الذين يكبرون وهم يتعلمون هذا التراث، يرون آباءهم وأجدادهم، ويشاركون في تفاصيل العمل، ليحملوا الراية ويواصلوا رحلة التمر من جيل إلى جيل.
كرنفال التمور في القصيم هو أكثر من موسم زراعي، هو قصة حياة، عمل متواصل، وأمل متجدد. هو إرث ينتقل عبر الأجيال، يقوي الروابط بين الناس، ويُبرز القصيم كمنطقة لا مثيل لها في جودة التمور وعمق المعنى الثقافي.
شهر أغسطس في القصيم هو حقًا موسم الذهب، موسم يجمع بين العمل والفرح، بين الأرض والإنسان، بين الماضي والمستقبل.


