أكتب عن صديقٍ طبيبٍ لم يترك مشرطه يوماً، ولم يبتعد عن غرفة عملياته حتى وهو في قلب الإدارة. الدكتور
عواجي النعمي واحد من تلك الوجوه التي تؤمن أن الطب رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن الجراحة عشق لا يُغادر صاحبه مهما علا منصبه أو اتسعت مسؤولياته.
في صباحات جازان، يمكن أن تراه مديراً لفرع وزارة الصحة، يتنقّل بين الملفات والتقارير، يتابع المستشفيات والمراكز الصحية، يواجه أعباءً إدارية ثقيلة ومسؤوليات جسيمة تجاه منطقة كاملة تنتظر منه الكثير. ثم إذا جاء يوم الخميس، ترك وراءه الأوراق والأختام، واتجه إلى مستشفى #صبيا ليعود إلى المكان الذي يجد فيه ذاته الحقيقية: غرفة العمليات. هناك، حيث الأضواء البيضاء والمشرط الدقيق واللحظات التي تُعيد للإنسان حياته وصحته، يستعيد النعمي متعته الأولى، ويؤكد أن الطبيب في داخله لا يموت.
ليس سهلاً أن يجمع إنسان بين صرامة الجراح التي لا تعرف الخطأ، وبين مرونة المسؤول الذي يوازن بين التحديات والاحتياجات. لكن الدكتور عواجي فعلها، وببراعة قلّ أن تجدها. هو في إدارته دقيق، حاضرُ الذهن، قادرٌ على اتخاذ القرارات الصعبة، وفي صداقته إنسانٌ نبيل، كريم الوجه، دافئ الروح، صادق الوعد، لا تبدّله المناصب ولا تُلغيه الألقاب.
أجمل ما فيه أنّه لم ينسَ يوماً أصل رحلته، ولم يسمح للكراسي أن تُبعده عن طاولات العمليات. كأنما أراد أن يرسل رسالة صامتة لكل من عرفه: أن المنصب لا ينبغي أن يكون حاجزاً بين الإنسان وشغفه. وأن القائد الحقيقي هو الذي لا ينسى أنّه خادم قبل أن يكون مسؤولاً.
في محبة أصدقائي.. أكتب عن عواجي النعمي بوصفه نموذجاً مضيئاً: رجلاً جمع بين مشرط الجراح وكرسي المدير، وظل في الحالتين وفياً لرسالته الأولى، طبيباً منحازاً للإنسان قبل أي شيء. ومن كان هذا مساره، فمحبته تظل واجبة ومكانته في القلب ثابتة.


