يومٍ من أيام الطاعة والقرب إلى الله، حملتني قدماي إلى تلك المدينة العامرة أبتغي رزقاً حلالاً ولساني يلهج بالذكر والدعاء أستودع الله أحلامي وأرجوه التوفيق في مسعاي. ومهما تعاقبت الظروف وتعسّرت الأحوال، يبقى الرضا بالقضاء والقدر طريق المؤمن، ويظل العمل والاجتهاد سبيل تحقيق الغايات.
وبينما كنت منشغلاً بمهامي في تلك الديار، وقعت عيناي على مضمارٍ تتسابق فيه الخيول. كان المشهد لوحةً عربية أصيلة، فإذا بجوادٍ عربيٍّ نبيل يحمل الرقم (٣٩)، يلفت الأنظار بجماله وسموّ أصله. لم يكن مجرد حصان، بل كان رمزاً للتراث ، شاهداً على أن العروبة باقية ما بقيت الخيل الأصيلة تتعلق به الروح ..
تقدم له الهدايا عند فوزه، ويحاط بالدعاء خوفاً عليه من أعين الحاسدين. أربع بطولاتٍ منها ثلاث متتاليه قريب منه بعيد، يفصلنا عنه وشاية الحاقدين وغِلّ الأقران، لكنّنا عاهدنا انفسنا أن نبقى اوفياء له حتى الممات، فالأصيل لا يعرف إلا أهله، والفرس لا يخطئ فارسَه مهما طال البعد. حاولت مراراً امتلاكه لكن عنفوانه صده عن القبول
إن الخيل العربية الأصيلة ليست دابة عابرة، بل هي تاريخٌ مجيد وأمجادٌ متجددة. بها حرر العرب أوطانهم، وعلى ظهورها قهروا الصحراء كما تقهرها اليوم مركبات العصر. فإذا كان “اللاند كروزر” قاهر الصحراء, رمز القوة في البراري، فإن الخيل العربي ظلّ، ولا يزال، رمز العزّة والكرامة والهوية.
لقد جئنا إلى تلك المنطقة كما جاء غيري، نبحث عن زيادة قوتينا في زمنٍ صار الغلاء فيه هاجساً للناس. فمنهم من نهل من العلم، ومنهم من سافر ليتعلم علوم و صنعات جديدة، وآخرون طرقوا أبواب التجارة، فيما بقي بعضهم على حاله لا يغير ولا يتغير. لكنني مهما تفرّقت سبل الناس أؤمن أن العرب لن يحيوا حاضرهم إلا بربط حاضرهم بماضيهم، وأن الهوية الأصيلة هي زاد الأمم في مواجهة تحديات الغد.
إننا نحن العرب سنبقى نحفظ تراثنا ونحيي أمجادنا، فالخيول تعرف فرسانها، والزمن يعرف أصالته. ويقيني أن الجزيرة العربية ستعود كما كانت، منارةً لحضارتها، ومهداً لخيولها الأصيلة، حين ينهض الفرسان ممتطين جيادهم، رافعين سيوفهم، محققين أحلامهم بعزيمةٍ لا تلين.
ويزداد هذا اليقين رسوخاً برعاية حكومتنا الرشيدة –حفظها الله– بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان –أيدهما الله– للهوية العربية الأصيلة. فقد أعادوا للتراث العربي مكانته، من مهرجانات الإبل إلى حماية الحيوانات الفطرية، وصولاً إلى مشروع ولي العهد لإحياء المساجد التاريخية. كلها شواهد تؤكد أن العروبة ليست ذكرى، بل حاضرٌ يُبنى، ومستقبلٌ يُرسم.
ويبقى السؤال الذي يطرق القلوب قبل العقول:
هل للأطراف العربية الأخرى شغف لتحقيق العزم والحلم العربي ؟ أم أن الراية ستبقى في أيدينا وحدنا، حتى يأذن الله بعودة المجد ليكون شاهداً على أصالة الماضي، ورمزاً لحلم المستقبل؟.


