فاطمة الحارثي
في العاشرة صباحاً وفي ساعتي المكتبية الخاصة بالإرشاد، دخلت طالبتي التي أحاورها منذ بداية الفصل في التغيير الفكري الذي طالها وعبث بكل دواخلها.
ما الذي يمكن أن يجعل طالبة الشريعة وخريجة المعهد العلمي للقرآن والتي نشأت في جو أسري مليء بالرحمة و العطف ولم تكن تعاني من قهر مادي أو اجتماعي ما الذي يجعل فتاة بكل هذه المقومات أن تنحرف! وأن تلحد؟!
أن تنكر وجود الله، وتثبت بالحجج الفلسفية تحريف الكتب وكذب الأنبياء، وأن تحمل حقداً بالغاً لكل الأديان ومن يدعو لها.
حدثتني عن الظلم الواقع على المرأة في المملكة العربية السعودية، وعن استحقارها، وعن هضم حقوقها، وبدا لي حنقها الشديد على الدعاة وكذا أصحاب القرار التي ترى أنهم جعلوا المرأة في الصف الأخير.
آها… القصة إذن هي شعورها بالظلم، وأن رجل الدين هضم حقها، ولذا تمردت على الدين برمته.
قلت لها: إن الله حرم الظلم على نفسه، وليس في شريعته ظلم لأحد ، وإن اعتقادك ظلم التشريع نابع من قصور فهمك وليس من حتمية ظلم المشرع.
لكنها أوردت لي كثيراً من المقولات عن دعاة غذوا هذا الفكر، فكانوا معول هدم في زمن نحن بحاجة إلى فهم مراد الله كما أراد الله، لا كما أرادت عادات ورثوها وظنوها ديناً.
ماذا كانت النتيجة؟ الفتاة تنوي الهروب للخارج، وللأسف هناك من ينظم ويساند ويدعم من هم على شاكلتها للبحث عن الحرية المزعومة.
ماذا بعد؟
إننا نحن المسلمات وفي هذا البلد المبارك، لسنا في حاجة لأن نسعى خلف ما تمليه منظمات الحقوق، أو من يسمين أنفسهن بالحقوقيات، كي نثبت للعالم أننا أحرار.
إننا ننعم بدين أكمله الله، كفل لنا كل مقومات الحرية والكرامة، وبدولة دستورها الكتاب والسنة، ظافرت كل جهودها لامتثال شرع الله الذي لنا فيه العزة والرفعة.
هل ندعي المثالية؟ كلا ولكننا في دائرة الشرع نقترب أو نبتعد، نسيء ونحسن، والعصمة والكمال لله .
والسؤال الآن، من المتسبب في انتشار مثل هذا المفهوم عن ظلم المرأة في السعودية، وتضخيم الأحداث بل وصنعها أحيانا؟
مما لا شك فيه أن سقوط المرأة سقوط للأسر ومن ثم المجتمع بأكمله، ولعل بعض الدعاة أدركوا ذلك لكنهم خذلهم الاجتهاد مع حرصهم على حماية المرأة، فجعلوا يعللون الشرع بغير ما يعلل به، وتوسعوا في درء المفاسد، وأخذوا بجانب الاحتياط في الترك وأنه الأسلم، إلى غير ذلك من الاجتهادات التي رأتها العامة فيما بعد أنه كذبٌ في الدين، وشريعة ليست من الشريعة.
فما كان من ضعاف النفوس إلا استغلال ذلك، وتضخيمه، والافتراء على دين الله بظلم المرأة وانتقاصها.
ولعل مما يشاد به في هذا الجانب الجهود المباركة التي يبذلها وزير الشؤون الإسلامية د. عبد اللطيف آل الشيخ، في التدقيق والتمحيص حول من يتولى الدعوة وينشر الخطاب الديني.
إذ ليس كل متحدث مصيب، ولا تشفع حسن النية وسلامة القصد في الخطأ.
وبهذا ( حينما وجد المستنقع كثر الباعوض) فاقتات ضعاف النفوس على ما وجد من ثغرات، وضخمت إعلامياً، فصادفت نفوس فتيات خاليات فتمكنت منها، وبنت للشبهات والشهوات فيها مراتع كان نتاجها ما نرى ونسمع.
إن بناتنا أمانة، وكل غيور يسعى لحمايتهن، وليس ثمة سياج للخلق والفضيلة خير من شريعة الله، وبها النجاة وحدها متى أُخذت من منبعها، وفهمت كما فهمها سلفنا الصالح.
أما الانحدار والتوسع المخالف، للخروج من الضغط الإعلامي وإرضاء جماهير الحقوقيات بالتنازلات، فهو مزلق خطير.
والله الحافظ وهو ولينا من قبل ومن بعد .