إجتاحت “كورونا المستجد “كوفيد 19” حواجز الزمان والمكان، لتُمسي وباءً عالمياً، فتعطلت الحياة اليومية، وأُغلقت المدارس، ووضع الوباء دول العالم وجهاً لوجه أمام الوسيط الأوحد- التكنولوجيا- للخيار الأوحد “التعليم عن بعد” الذي أصبح ضرورة مُلحة، وليس اختيارياً، أو تفاخراً تقنياً، أو على سبيل التجربة العملية.
في عصر التحول الرقمي في التعليم، دول وجدت نفسها مستعدة شاهرةً أدواتها المجربة والموثقة في وجه قرار التعطيل، وأخرى مازالت تعافر وتعاني، وتصارع وتسارع علّها تلحق بعضاً مما فاتها.
منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة”اليونيسكو” وفي تقييم لوضع عملية التعليم في ظل جائحة كورونا المستجد والذي وصفته بذلك الخطر الذي تطور وإرتقى بنفسه، وتحول من شبح يلوح في الأفق إلى واقع يفرض نفسه على الكوكب، ووضع أنظمة التعليم في العالم كله أمام خياران لا مفر منها فيما يخص التعليم.
1- فإما تعليم عن بعد.
2- أو لا تعليم!!
وفي تحقيقنا هذا سنحاول أن نبين العوامل التي أسهمت في سرعة ونجاح تجربة وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية في التحول الرقمي في التعليم من خلال توظيف أدوات التكنولوجيا في التعليم المغلقة.
وسنبدأ في تبرير عملية “النجاح الكبير” بالإستماع لأراء المتلقين [ أولياء أمور وطلاب] والمهتمين والمشرفين والقادة التربويين في الميدان التعليمي.
مدير التعليم بمحافظة القنفذة الدكتور محمد بن إبراهيم الزاحمي بين: أنه حتى الأمس القريب جداً، كان مصطلح “التعلم عن بعد” يشير للترف التعليمي، وما أن أغلقت المدارس-حفاظاً على صحة وسلامة الطلاب والمعلمين في ظل جائحة “كورونا المستجدة”-حتى بادرت وزارة التعليم وبكل ما تمتلكه من وسائل سمعية وبصرية تهيئ للطلاب والطالبات أجواء التعلم في مرافئ العلم عبر منصات الكترونية وقنوات تلفزيونية.
فأصبح مصطلح”التعليم عن بعد” بمثابة قبلة الحياة لأستمرارية التعليم!
فتحولت وزارة التعليم إلى منظومة التعليم الموحد من خلال إطلاق المدرسة الإفتراضية “منصة مدرستي” والتي تعتبر أكبر مدرسة إفتراضية في العالم حيث يلجها أكثر من ستة ملايين طالب في اليوم، بالإضافة لماتحتويه من مزايا تعليمية ولوجستية للعملية التعليمية، يدعمها 23 قناة لمجموعة “عين” خصصت منها 12 قناة للبث المباشر للدروس لجميع مراحل التعليم العام بالإضافة لقنوات إثرائية، كما أطلقت الروضة الإفتراضية لرياض الأطفال.
وأضاف؛ مايميز “منصة مدرستي” أنها تفاعلية ومتاحة لأضلع العملية التعليمية: طلاب، ومعلمين، وقيادات مدارسية، وأولياء أمور، ونحن اليوم في تعليم القنفذة لم يعد همنا كيف يواصل الطالب تعلمه- بعدما أبداه من تمكن وتماشي مع التقنية- بل همنا هو المضي قدماً في تحقيق الهدف الأسمى الذي رسمته وزارة التعليم وهو “تجويد التعليم”ونسعى مع معلم واعي وماهر بالتقنية،وطالب يرى في منظومة التعليم عن بعد تماشي وإمكاناته التقنية،وولي أمر يثق بما تقدمه وزارة التعليم، الى تحقيق هدفنا في”تجويد التعليم”من خلال منظومة التعليم عن بعد.
“احمد القوزي” يعمل حارس أمن في أحد الأسواق المولات بالقنفذة لديه أسرة مكونة من ثلاثة أبناء أصغرهم هذا العام سنتها الأولى برياض الأطفال، وولد بالأول المتوسط، وبنت اخرى بالصف الرابع الابتدائي يقول: “كانت مسألة الإنترنت صعبة علينا جداً أول الأمر لأن الأولاد صغار في السن، وأنا ليس لدي تلك الخبرة بالتعامل مع التقنية، وساعات عملي تمتد لفترة طويلة! لكني وزوجتي التي تعلمت حتى اكملت الثانوية أكتشفنا مع مرور الوقت والإستعانة بأرقام الدعم الفني لمنصة مدرستي التي أعلنت عنها الوزارة، مع الوقت أنا والاولاد وأمهم أصبحنا نتصرف وقت الدوام كاننا في مدرسة حقيقية المعلم والمعلمة يشرحون والاولاد بمتابعة امهم ملتزمين ولله الحمد، فزوجتي تجبرهم على حضور كافة الحصص على منصة مدرستي،ومتابعة بعض قنوات عين التعليمية وتُسمع معهم الدروس”.
في المقابل تقول” أم علي” (أم لأربعة أبناء) إن العملية التعليمية لأبنائها من البيت تسير بشكل جيد، ويمضي اليوم الدراسي كالمعتاد من التاسعة حتى الثانية للمتوسط والثانوي ، ومن الثانية الى السابعة مساءً للابتدائية والطفولة المبكرة وذلك عبر “منصة مدرستي”.
“بندر الزحيمي”، الطالب في الصف الثالث المتوسط في مدرسة القوز المتوسطة، يقول إنه سعيد جداً بعدم الذهاب إلى المدرسة ويصف تجربة التعلم عن بعد بـ”نصف نصف”لا سيما وأن الـ”المعلم” يساعده فيما يصعب فهمه من الدروس، وأضاف؛ لكن هناك البعض يتصرف بطريقة غير لائقة مع بعض المعلمين ويشغّلون أغنيات في الخلفية ويضحكون بصوت عال، ونحن (أون لاين)، لذا يضطر المعلم إلى إغلاق الميكرفون والإعتماد فقط على تلقي الأسئلة والإجابة عليها”.
أما شقيقه “احمد”، الطالب في الثالث الثانوي، فيقول بثقة شديدة إن المدرسة كانت قبل “كورونا” تعتمد في جانب كبير على التقنيات الرقمية، و”نحن أصلاً في ثانوية القدس ننجز كثير من أعمالنا على اللوح الرقمي، لذلك تسير الأمور بشكل جيد، لانختلف أن وجه.
تباينت الآراء بين أولياء أمور ومعلمين وطلاب، لكن الجميع أجمع بأن وجة الأزمة”كوفيد19″ قبيح، لكنهم لم ينكروا أن هذا القبح كشف عن وجه التكنولوجيا المضيء!
فما الذي سهل نجاح التعليم عن بعد لدينا؟؟
مدير مكتب التعليم بالقوز الدكتور:احمد بن حسن الجعفري قال: إن نجاح التحول لمنظومة التعليم عن بعد ماهو إلا إنعكاس للإستعدادات وجاهزية البنية التحتية للمنظومة التعليمية في وزارة التعليم، مشير إلى أن المرتكزات الأساسية للتعلم عن بُعد موجودة في تعليمنا،الأمر الذي سهل عملية تفاعل وإتقان المعلم والطالب وولي الأمر للتعامل مع الصفوف الإفتراضية من خلال “منصة مدرستي” لتي أصبحت أيقونة النجاح الكبير لعملية التحول للتعليم عن بعد في زمن “كورونا المستجدة”.
الأستاذ احمد الفقيه المعلم بمدرسة الملك عبدالعزيز الابتدائية بالقوز قال: هناك عوامل سهلت لعملية نجاح منظومة التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية، منها ماهو خاص بالمجتمع، ومنها ماهو خاص بوزارة التعليم.
فمجموعة عوامل النجاح المجتمعية التي أسهمت في نجاح عملية التحول لمنظومة التعليم عن بعد، يمكن تلخيصها في :
1- الحياة الإقتصادية للمجتمع السعودي والذي يتمتع بمستوى حياة إقتصادية جيد مكن الأسرة والأفراد من إقتناء أدوات التقنية مبكراً والتماشي مع تطورها المتسارع.
2- التوجه نحو التقنية وأدواتها في الأجيال الجديدة في المملكة العربية السعودية وإجادة التعامل معها.
أما مايخص وزارة التعليم، فهناك مجموعة عوامل وإجراءات متزامنة ومتتابعة أسهمت في نجاح التحول للتعليم عن بعد ويمكن الإشارة إليه كالتالي:
1- سعت وزارة التعليم إلى إدخال التقنية في العملية التعليمة من خلال مشروع تحديث العملية التعليمية العام 1986م، والذي كان من ثماره إدخال الحاسب الآلي حقل العليم، حيث تم إدخال الحاسب كمادة أساسية في المرحلة الثانوية وجهزت آلاف المختبرات في المدارس بمراحلها المختلفة.
٢- التخطيط طويل الأمد من خلال الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات، والتي تحدثت صراحة أن أهم أهدافها التوظيف الأمثل للاتصالات وتقنية المعلومات في التعليم والتدريب بجميع مرأحله.
تبع ذلك خطوات لتحقيق توظيف التقنية في العملية التعليمية تمثلت في :
أولًا: تجربة الربط الشبكي ويهدف مشروع الربط الشبكي إلى ربط وزارة التعليم بمكاتب التعليم والمدارس من خلال شبكة خاصة وآمنة بالوزارة.
ثانيًا: مبادرة إستغلال الهواتف المتنقلة في المملكة من خلال تقديم خدمات الوزارة والمؤسسات التعليمية المختلفة عبر تطبيقات الهواتف الذكية.
ثالثاً: مشروع المحتوى الرقمي التفاعلي للمناهج الدراسية والذي أسس للتواصل الرقمي عن بُعد، وتهيئة المعلم الجديد من خلال الخارطة التعليمية، وتطوير البيئة المساندة للعملية التعليمية والتربوية، ومشروع الكبير “المكتبة الرقمية السعودية”.
رابعاً: إدخال أدوات التكنولوجيا في مدارس التعليم العام من خلال
1- السبورة الذكية:
وهي السبورة المعتمدة في معظم مدارس المملكة العربية السعودية.
2- الدائرة التلفزيونية المغلقة:
بعد دمج أدارات تعليم البنين والبنات.
بعد كل هذا الاستقراء حول عوامل نجاح منظومة التعليم عن بعد بالمملكة العربية السعودية يبدو أن التعليم عن بعد جاء كنتاج للمسيرة الطويلة لوزارة التعليم في برامجها التطويرية التي تهدف لإدخال التقنية في جوهر العملية التعليمية مسيرة إمتدت لربع قرن تقريباً، كانت بمثابة بنية تحتية متينة أسست لإطلاق الوزارة لأهم أهدافها المتمثل في تحسين مخرجات التعليم من خلال “تجويد التعليم” فكانت لدى الوزارة الخبرة الكافية لإدارة دفة التقنية نحو التعليم عن بعد، بالإضافة إلى الإمكانات البشرية المدربة والتي أصبح التعامل مع التقنية ليس بالأمر الجديد عليها من معلمين ومشرفين وأولياء أمور وطلاب.
كُللت هذه الخطوات لوزارة التعليم بالنجاح في منظومة التعليم الموحد والمدرسة الإفتراضية التي كانت مشروع مستقبلي للتعليم في المملكة العربيةالسعودية، فكان نجاح منصة مدرستي نتيجة متوقعة راهنت عليها وزارة التعليم، فكتب للجميع النجاح.
تحقيق محمد الزحيمي
اللجنة الإعلامية بمكتب تعليم القوز- القنفذة