يتجوّل في بلادنا قاتل متسلسل صامت، يقتل سنويًا ما يقارب 200,000 شخص!، ولا يقتصر على البالغين، بل يمتد ليحصد أرواح المراهقين والأطفال كذلك.
35 مليون شخص يعانون من اضطرابات متصلة بتعاطي المخدرات ويحتاجون إلى علاج حسب تقرير المخدرات العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات (UNODC) عام 2019.
(الإدمان)، القاتل المتسلسل الذي تمتد يده لا لحصد أرواح آلاف الأشخاص فقط، بل لتدمير أسر ومجتمعات بأكملها، إذ يوجد رابط قوي بين ازدياد معدل الجرائم بازدياد استهلاك العقاقير المخدرة، وكثيرًا ما يرتكب المدمنون جرائم بسبب تعوّدهم على تعاطي المخدرات، خاصة في محاولاتهم للحصول على المال ليستطيعوا شراءها باستمرار.
*ما هو الإدمان؟
الإدمان هو اضطراب سلوكي يتضمن استمرار الرغبة لفعل معين قهرياً وقسرياً بشكل يستحوذ على الإنسان فينهمك فيه بغض النظر عن العواقب الضارة بصحة الفرد أو حالته العقلية، وهي آفة ليست جديدة، إذ بدأ استخدامها قبل حوالي 5000 سنة وكانت تستخدم لأغراض ترفيهية وطبية.
*الإدمان.. اختيار أم إجبار؟
تساؤل مهم يطرح نفسه إذا ما نظرنا إلى أعداد المتعاطين المخيفة والتي تزداد يومًا بعد يوم، ومع اختلاف الدوافع وتعددها، إلا أن (الإدمان) يأتي عادة نتيجة ظروف وضغوطات لم يخترها الشخص المدمن، بل وعجز عن تغييرها مما جعله يلجأ للهروب منها (من واقعه) بأي ثمن، حتى لو كلّفه الأمر حياته!
فالمواد المخدرة بأنواعها تؤثر على الحالة النفسية للأفراد من خلال تأثيرها على الجهاز العصبي المركزي. فتدخل عبر الدورة الدموية إلى مناطق المخ المختلفة. وتتجه إلى مراكز التنفس، والقلب، ومراكز التحكم في الأوعية الدموية، والمراكز الحسية، وغيرها.
ومن أهم هذه المسببات:
1-المشاكل الأسرية: الأسرة نواة المجتمع، فإن فسدت هذه النواة فسدت فروعها بالضرورة، والشخص الذي يعيش في أجواء تفكك أسري، وطلاق، ومشاكل مستمرة، وجو مشحون وبعيد عن قيم الإسلام ومبادئه، سيكون غير مستقر نفسيًا، وأكثر قابلية للانحراف.
2- مخالطة أصدقاء السوء: يُعدّ تأثير الأصدقاء قويًا جدًا خاصة على المراهقين الذين يميلون نظرًا لخصائصهم النمائية خلال هذه المرحلة إلى الابتعاد عن العائلة رغبة في الشعور بالاستقلالية.
3- ظروف العمل والأوضاع الاقتصادية: كلّما زاد الواقع صعوبة زاد ميل الفرد للهروب منه، خاصة إن لم يكن متسلّحًا بوازع ديني قوي يمنعه من الانجراف نحو المحرمات مثل الخمر أو المخدرات وغيرها.
4-ضعف الوازع الديني: أساس مقاومة كل الآفات هو قوة الوازع الديني، الذي يجب أن يُغرس لدى الأفراد منذ طفولتهم المبكرّة، لتدعيم أساساتهم الأخلاقية، وقوّتهم.
وترى مدرسة التحليل النفسي أن الأصل في ظاهرة الإدمان، هو تحقيق النشوة والسرور عن طريق المخدر، أو التخفيف من حالة الاكتئاب التي يعاني منها المدمن، كما تفسّر الإدمان بأنه تعبير وظيفي لذات عليا ناقصة،
وتعويض عن حرمان من إشباع بعض الحاجات الأساسية.
. *الآثار النفسية التي يسببها الإدمان:
الإدمان يسبب اضطرابات الهلوسة والهذيان، والحزن واليأس الشديد، وصعوبة في التفكير، وكساد في القوى الحيوية والحركية، وهبوط في النشاط الوظيفي للجسد، والانفعال والانسحاب من المجتمع، والاكتئاب الشديد وغيرها، وإن تعاطي المخدرات يؤدي إلى تغيرات أساسية في الشخصية؛ إذ يجعل الإنسان أكثر عرضة للأمراض النفسية والذهانية مثل القلق والهلع والبارانويا، والوهن الإدراكي، وخاصة بالنسبة للتركيز والذاكرة وضعف الآلية النفسية وتأخر ردود الأفعال.
*طرق الوقاية من الإدمان:
1- استخدم طرقًا سليمة للتخلص من القلق والإجهاد والتوتر ومواجهة المشكلات.
2- لا تنتظر السعادة، اذهب أنت إليها: اختر بعض الأماكن أو الأنشطة أو حتى الأشياء التي تجعلك تشعر بالسعادة.
3-التغلب على الضعف النفسي، لا تتردد من طلب الدعم الطبي النفسي.
4- التوعية الشاملة للأسر بدورها التربوي المحوري في تشكيل شخصية أبنائها.
5- إطلاق حملات شبابية للتوعية من مخاطر المخدرات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.
6- تقوية الوازع الديني والروحي والاتصال الدائم بالله.
في النهاية.. تتعدد المسببات والدوافع، وطرق الوقاية والعلاج كذلك .. وتبقى (أنت) صاحب القرار الأخير لتحديد مسار حياتك وإغلاق الباب في وجه هذا القاتل الصامت.
بقلم/ سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي