الكاتبة الروائية حسنة القرني شقت طريقها بهدوء نحو عالم الأدب بالرغم من كتاباتها التي وصفت بالجريئة بعد أن تجاوزت بمايعرف بالخطوط الحمراء وخرجت عن تقاليد وعادات المجتمع السعودي المحافظ
كانت الكاتبة الروائية حسنة القرني دائما محل انتقاد شديد وخاصة في روايتها ( بشع عشوائي ) وكذلك رواية ليلة القيامة ) حينما تحدثت عن قضايا يرى المجتمع السعودي بأنه لايجب الحديث عنها فيما تؤكد الكاتبة أنه انتهى زمن الخطوط الحمراء ولابد من فتح قضايا كانت تهم شريحة مهمة في المجتمع السعودي وترى الروائية حسنة بأن المرأة السعودية لم تأخذ حقوقها كاملة ولابد من الدفاع عنها من خلال كتابة روايات تسلط الضوء على قضايا المرأة السعودية .
رواية “بشع عشوائي” تحدثت من خلالها عن مجموعة من القضايا يرى الكثير في المجتمع السعودي أنه لايجب الحديث عنها بهذه الجرأة فهل نجحت الكاتبة في إيصال الصوت فقط ؟
الرواية أعلت صوت المهمشات اللاتي ناقشت قضاياهن واللاتي عانين من زنا المحارم، الزواج من رجل ذو حصانة، التغيير الجنسي، التحرش الوظيفي، الاتجار بالجسد. وهي قضايا حقوقية إنسانية من المهم الحديث عنها روائيا وسينمائيا وتلفزيونيا للإسهام في الحد منها.
وأجد من المهم طرح القضايا الجدلية الخاصة بالمرأة وطموحاتها في الأعمال الأدبية بهدف إنجاحها.
وبالنسبة لرأي المجتمع حول جرأة ما أطرح فدعني أعلق بصراحة أنا لن أنتظر منه أخذ تصريح رقابي آخر حول ما أطرح يكفيني سقف وزارة الثقافة والإعلام الرقابي الذي يتحكم بالكتاب السعودي بشكل عام.
انتقدت الكاتبة الروائية السعودية أنها وحدت كتاباتها في الدفاع عن حقوق المرأة وكأنها مسلوبة الحقوق
اعترف حقوق المرأة السعودية كانت موضوعي المعلن كقضية أولى ولكنها ليست الأخيرة ثمة قضايا أخرى لا تقل عنها أهمية في كل رواية ولكنني بتعمد مسبق استطعت فيهما أن أجعل من المرأة أيقونة لمفهوم التغيير وذلك على صعيدين.
١- الأيقونة الأهم للكتابة عن المجتمع الهامش على الرغم من مسيرة التمكين التي تسير فيها المرأة السعودية تصاعديًا إلا أنها كانت سبيلي لذلك بامتياز مستندة على حاجتها لمزيد من القوانين التي من شأنها أن تعزز مواطنتها وترفع سقف طموحاتها.
٢- ثمة قضية الجسد الذي أتناوله كثيم للأنثى الكاملة فالعقل الجزء الأهم من الجسد للأنثى أظهروه فيها بهدف جمع العقلانية والعاطفية فيها معًا على اعتبار أنهما متكاملان في الإنسان المتزن!
س/ ولماذا نجحت رواية بشع عشوائي في نظرك ؟
هناك أسباب كثيرة تضافرت وأسهمت في نجاح رواية بشع عشوائي لعل من أبرزها أنها جاءت فارهة لغويًا ومتدفقة شاعرية وتحتفي بالرمز المثير للأسئلة كما أن الرواية تندرج تحت مسمى الروايات الواقعية السحرية حيث دمجت بين السرد الواقعي والفنتازي وهذه النوعية من الروايات تجد قبولا ورواجا بين القرّاء ولا سيما النخبة القارئة الشريحة التي استهدفها بالكتابة إلى جانب جدّة وجرأة القضايا التي طرحت.
س/ بعد نجاح رواية بشع عشوائي ماذا عن رواية ليلة القيامة ؟
جاءت في واقعية سحرية تعتمد على الفنتازيا واللغة الشعرية بالاضافة إلى استلهامي فيها لأسطورة تموز وعشتار وقد ناقشت فيها قضية الأحكام البديلة للقصاص وفقا لحيثيات معينة في حالات محددة وجدلية كالجريمة التي تتمخض عن ( الايقاع بالمرأة في قضية شرف أو الاعتداء جنسيًّا على الشاب القاصر ) وما استلهام أسطورة تموز وعشتار وتضفيرها في نسيج السرد إلا توظيف لفكرة الموت والانبعاث من منطلق تأييد الحيثيات الإنسانية والدينية في القصاص بالنظر لحيثيات الجريمة ومرتكبها للخروج بتنفيذ أحكام بديلة كالسجن المؤبد والعمل في بيئات عمل خيرية كما تتناول الرواية قضية بعض التصرفات الفردية لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضد النساء وملابسات استدراجهن للإيقاع بهن لأهداف خاصة وتطرح الرواية حلّا جذريا للحد من استمرارية معاناة اللقطاء وإثبات نسبهم باستخدام تقنية DNA كما تغوص الرواية في الشخصية الشاذة تاركة للقارىء حرية الحكم عليها
س/ هناك من يصف بعض الروائيات السعوديات بأنها ليست إلا فرقعات ومحاولة للتنفيس النسائي ؟
الرواية السعودية بشكل عام استفادت من بعض القضايا الاجتماعية للمرأة والمطالب الحقوقية لها كونها صوت للمرأة ومن الخطأ اعتبار ذلك تنفيس فالروائية تكتب عن مشكلات مجتمعها النسوي ولا تكتب سيرة ذاتية لها.
وأتفق مع هذا الرأي فيما يخص أن معظمها فرقعات إلى حد كبير فهناك بعض الاستسهال وكثير جدا من الاستخفاف بتقنيات الكتابة الروائية وتغليب القضية على فنية وجمالية العمل وللأسف لم يحظ المنتج الإبداعي الشبابي بشكل عام و النسائي بشكل خاص بحركة نقد قوية موازية للكم الذي تنامى منذ ٢٠٠٥ وحتى الآن.
س/ كتاباتك جريئة وربما أنها اصطدمت بالعمق الديني وكذا العادات والتقاليد في المملكة هل كان الهدف الشهرة أم كانت قضايا حقيقية لابد من كشفها والحديث عنها ؟
كل ما أطرح وجع حقيقي لإنسان ذكرا كان أو امرأة ورواياتي دعوة للحوار مع القارىء حول ذلك الوجع فأنا أشركه من خلال اللغة الشعرية ذات المعاني الولادة والرمز في طرح رأيه ؟
وللعلم رواياتي للنخبة وليست للقارىء العادي ولو كنت طالبه للشهرة لاستهدفت القارىء العادي فالكتابة له لا تحتاج الكثير والشواهد كثيرة !
س/ من يتابع الروائيات السعوديات هم القراء العاديين ولربما الباحثين عن الإثارة العاطفية بحكم أن أغلب الروايات النسائية تتحدث عن العاطفة ؟
أعتقد جازمة أن هذه الفكرة لدى كثير من الروائيات الشباب وهي ما أسقطت الرواية النسائية وساهمت في تدني مستوى الكتابة الروائية النسائية فالقارىء الجيد يبحث عن العمل الأجمل فكرة ولغة وموضوعًا .
س/ من خلال مداخلاتك الفضائية كنت تحاولين إثارة التشابه في الأديان ؟
روايتي بشع عشوائي ناقشت موضوع الأديان فكل بطل من أبطال الرواية كان على دين مختلف عن الآخر لأهداف كثيرة من أهمها أن الصوفية التي ينتخبها البعض تبعا للرأي الغربي الراغب في أن تكون الصوفية النموذج الأمثل للإسلام والمطبق في الدول العربية تتقاطع مع البوذية في بعض البدع التي انتشرت باسمها وغيرت مسارها من مجرد تصوف وزهد محبب ومرغوب فيه إلى تصوف ممزوج ببدع وأنا إذا أطرح ذلك فهو لأعلق الجرس على خطوة ذلك واعترض على تأطير روح الإسلام. واعتقد أن بعض من لامني لذلك في ٢٠١٠ قد اقتنع الآن
س/ هل تجاوزت الكاتبة السعودية كل الخطوط الحمراء وكسرت الحواجز التي كانت تقف أمام كتاباتها بكل حرية وشفافية أم لازال الوقت مبكرا للحكم على ذلك ؟
بالنسبة لي لا تابوهات محرمة تقف أمامي ولا خطوط حمراء تحدد لي السقف فلدي قناعة أني أمتلك لغة شعرية غير مكشوفة لدرجة أن يستهجن حرفي عند التعبير عن الجنس مثلا وقدرة على التعبير برمزية بليغة ومفهومة تضرب على الوتر ولا تقطعه وقد ناقشت في رواياتي كثير من القضايا المسكوت عنها.
س/ بعض الكاتبات السعوديات اتهمن دور النشر بأنها أصبحت في الفترة الأخيرة تشجع الرواية النسائية المشبعة بالجنس ؟
لم ألحظ ذلك ولكن لعلي متهمة من وجهة نظرهن بذلك!
س/ الآن تزايدت الأصوات الذكورية تحديدا والتي تطالب الروائية النسائية السعودية بالعمق الفني والحبكة الدرامية للرواية والإبتعاد عن السرد والعاطفة ؟
بداية من قال أن الرواية الشبابية للرجال بمنأى عن الضعف الفني يجب الاعتراف بذلك أولا بحيث تشمل المطالبة بالتوقف عن نشر الخربشات على أنها أعمال إبداعية للجنسين معا علما أن هذه المطالب صادرة عن كتاب نقد انطباعي وصحافيون فمعظم النقاد والأكاديميين اتجهوا إلى النقد الثقافي.
وأسمح لي أن أطالب بعدم التعميم السلبي على ابداعات السعوديات فهناك الهش وهناك المتمكن وهناك من يحتاج لنضج .
س/ هل هناك سحب تحجب الرؤية الحقيقية للرواية النسائية السعودية ؟ ومن المستفيد من هذه السحب؟
هناك عدم اهتمام ودعم من الإعلام المرئي والصحافة الثقافية بالرواية الجيدة وذلك منبعه الضعف الثقافي لدى الصحفي والمعد على حد سواء وهذا ما يقف وراء التعتيم بالإضافة للكسل فهناك صحفيون ومعدون متمكنين ولكن يعانون من كسل وقلة اطلاع لذلك يكتفون بالفلاشات الجماهيرية والقراءات الانطباعية أو ما تمليه عليهم دور النشر .
س/ الروائية السعودية المهاجرة هل جاء الوقت المناسب للعودة للوطن ؟
أصبحت دور النشر السعودية المحلية تنافس في النشر و التسويق دور النشر العربية ونحن ككتاب جمهورنا سعودي بالدرجة الأولى لذا من المهم التعاون مع دور تصل إليه داخليا في المعارض والمكتبات ومنافذ البيع الالكترونية بشكل أسرع.
ولكن هذا لا يعني أننا راضون كفاية عن دور النشر المحلية ذلك لأنها تقسو على المبدع وتستفيد من إنتاجه ماديا لدرجة لم تعد مقبولة !
س/ برأيك متى تسقط الرواية النسائية السعودية وتصبح خارج الإطار المهني الثقافي ؟
هي آخذه في السقوط الفني والتقني وإذا استمرت دور النشر بالطباعة بحسب الآلية الحالية وفق المزاجية نفسها فسيأتي وقت نتوقف فيه عن قراءة الإبداع الروائي النسائي على أنه إبداع أدبي وفني! ورأيي هذا ينسحب على الرواية والقصة والشعر ولكلا الجنسين لأن الخلل طالها جميعا محليا وعربيا للأسف.
س/ هناك من يرى أن بعض الروائيات السعوديات يحاولن الخروج في كتاباتهن عن القيم الدينية والعادات والتقاليد ؟
بداية العمل الأدبي عمل إبداعي متخيل وليس وثيقة اجتماعية يجب أن تتطابق مع الواقع ومع ذلك كلما اقتربت الصورة إلى الطموح والمدنية وما يجب أن يكون عليه المجتمع كلما كانت أكثر مصداقية فهذا ما نحتاج إليه.
وأي كلام آخر هو رفض للتغيير الاجتماعي وتمسك أحمق بالموروث الاجتماعي والفكر الديني السائد الذي ثبت تعارضهما مع النص القرآني وبالتالي الإسلام الحقيقي
س/ أخذت الرواية النسائية حيزا واسعا في المجتمع السعودي بالرغم من الإنتقادات الكثيرة التي توجه لها حتى أصبحت قضاياها أكثر وضوحا ونضجا برأيك كيف تسير الرواية النسائية السعودية ؟
معظم الروايات النسائية السعودية هي رواية موضوعات جدلية بقضايا جيدة لكنها ليست روايات إبداعية فنية ذات تقنيات عالية وقد تمت مجاملاتها بالقراءات الانطباعية والإضاءات الإعلامية وإقامة دور النشر حفلات توقيع لها وهذا لا ينفي أبدا وجود روايات جادة ومهمة لها قيمتها الفنية والجمالية
وهما بانتظار أمرين إما حركة نقدية قوية تنصف الإبداع المتميز وهذه طال انتظارها حتى ظننتُ أن لا نقاد لدينا والأمر الآخر الرهان على الزمن في توقف تلك الأقلام الضعيفة التي تهوي بالمشهد السردي عموما .
س/ هناك ثلاث روايات يعتقد الأغلبية من الكتاب سواء من داخل الوطن أو حتى خارجه بأنها كانت الإنطلاقة الحقيقية للرواية النسائية السعودية وهي رواية بنات الرياض والأخرون وملامح ؟
من وجهة نظري هي – بصرف النظر عن قيمتها الفنية – هي الروايات التي فتحت الباب لتكون الرواية السعودية هي ذاكرتنا الثالثة والأهم بعد ذاكرة الشعر وذاكرة القصة القصيرة.
س/ هل ترى الكاتبة الروائية حسنة القرني أن النوادي الأدبية قدمت كل ماهو مطلوب منها ؟
حاليا – ووفق الميزانية المحددة لها – هي تجتهد بشكل جيد وملموس .
س/ شكرا للكاتبة الروائية السعودية حسنة القرني على هذا اللقاء وكلمة للقراء ؟
أشكر صحيفة “خبر عاجل” هذا اللقاء وأرجو أن أكون وفقت في هذه العجالة على قول المفيد الممتع للقراء … ولهم مني كل الشكر لدعمهم لي.
التعليقات 1
1 ping
محمد حسن القرني
02/04/2018 في 12:27 م[3] رابط التعليق
شيء جميل ان نلمس كاتبه سعوديه بزّت كثيراً من الكتاب ومدعي الرواية ، ولكن يجدر بي ان اشير الى ان الكاتبه الكريمه في تسليطها الضوء على بعض الامور التي هي فعلا موجوده ولكن اظهارها الى السطح ومناقشتها قد يولد الجراءه لدى ممارسيها والمطالبه من قبلهم بالاعتراف بوجودهم وو ..الخ كالشواذ ، وزنا المحارم ، هذه ستسبب تناغماً فكرياً بين ليبرالي وملحد وصاحب هوى ليقول لسان حاله هل رأيتم لست وحدي هناك الكثير غيري يفعلها !! وكمجتمع قبلي تحكمه العادات منها ماهو مبني على الدين والشيم وعلو القيم لا يستطيع احد تحريره من صروح بنيت من الشرف والتدين ، وظراهر الشواذ والزنا واللقطاء وسلوك المراءه عولجت في الاسلام في غير موضع .
اذا المنطلق للكاتب او الكاتبه المفترض ان ينير بمشاعل الايمان طريق المجتمع يجب ان يكون في حدود المسموح به شرعاً وعدم الانجرار لمجاراة كتاب الروايه الغربيين في طروحاتهم ومناقشة غرائزهم الجنسيه كمسلمات تطرح على مجتمع متدين ، وانا اعتقد جازماً ان الاخت حسنة تأخذ ذلك في الاعتبار