جمال بنت عبدالله السعد
تحت هذا العنوان لكتاب نشأة الحركة الأدبية بالمدينة المنورة في العصر الحديث والصادر عن نادي المدينة المنورة الأدبي العام١٤٣٩ .
نتابع ما عرضه الدكتور محمد إبراهيم الدبيسي عن العوامل التي ساهمت بنشأة الحركة الأدبية بالمدينة المنورة، مستكملين النواحي التعليمية و يندرج تحتها دور المكتبات في نشأة الحركة الأدبية حيث كان للمكتبات بالمدينة المنورة إسهامها الكبير في رفع الوعي، ونشر العلم والمعرفة، و إشباع شغف عشاق القراءة و طالبي العلم و المعرفة ، فكانت منهلا عذبا للباحثين و طالبي العلم والأدباء والمثقفين بالمدينة المنورة و نعرض هنا إلى أشهر المكتبات فيها .
١- مكتبة عارف حكمت /
و يعد السيد عارف حكمت من العلماء العارفين الذين أوقفوا المكتبة لطلبة العلم. وقد انشأها على نفقته الخاصة عام ١٢٧٠ هجرية -١٨٥٢ م وبنيت على النمط العمراني للمسجد النبوي الشريف وعلى مقربة منه، واشتهرت بجمال مبناها، وبديع اقسامها ،و ثراء محتوياتها بما تضمنته من كتب نفيسة ومخطوطات ومجلدات فاقت ال٥٠٠٠ كتاب في شتى العلوم والمعارف ، كتبت بخط أشهر و أمهر الخطاطين . وقد ضمت الى وزارة الأوقاف عام ١٣٨٠هجرية.
٢- مكتبة المسجد النبوي الشريف/
أنشئت عام ١٣٥٢ هجرية ١٩٣٣م بناء على مقترح مقدم من الأديب عبيد مدني وهي حاليا تحت إشراف وكالة الرئاسة العامة لشئون المسجد النبوي الشريف . أول من تولى إدارتها العالم أحمد ياسين الخياري ( ولد عام ١٣٢١) – شيخ القراء بالمدينة المنورة – جعل نواتها مكتبة والده الشيخ ياسين الخياري – و تضم المكتبة نحو ٩٠ ألف كتاب في مختلف فروع العلم والمعرفة، إضافة إلى ١٠ الآف مخطوط مابين أصلي ومصور ، وقد حرص المؤلفون من جميع أقطار العالم الإسلامي على إهداء نسخ من مؤلفاتهم للمكتبة ، كما حرص كثير من علماء المدينة وأدبائها بعد وفاتهم على إهداء مكتباتهم لمكتبة المسجد النبوي الشريف ، وتضم المكتبة قسما صوتيا للخطب والدروس التي تلقى بالمسجد ، وقسم الكتروني للمحتويات كما أنها مزودة بتقنيات حديثة للتبويب والبحث والفهرسة.
٣-مكتبة المدينة المنورة العامة ( مجمع مكتبات الأوقاف )/
عام ١٣٨٠ هجرية – ١٩٦٠م افتتح الملك سعود بن عبد العزيز المكتبة والتي كان قد بدء بإنشائها عام ١٩٥٨ م ، وكان وراء فكرة تأسيسها الشيخ جعفر فقيه ( ١٣٢٠ – ١٤١١هجرية )والذي تولى إدارتها والعناية بها وضم إليها مكتبات الأربطة والمدارس ومكتبات بعض العلماء ومراجع علمية أضيفت الى المكتبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي .
٤-مكتبة الملك عبد العزيز العامة /
وضع الملك فيصل بن عبد العزيز أساس هذه المكتبة عام ١٣٩٣ هجرية ١٩٧٣ م وافتتحها الملك فهد بن عبد العزيز عام ١٤٠٤ هجرية -١٩٨٢م . ثم ضمت إليها جميع المكتبات الوقفية الأخرى بما فيها مكتبة عارف حكمت ومكتبة المدينة المنورة العامة ومكتبة بشير آغا وبعض المكتبات الخاصة التي أوقفت للمكتبة .
وقد بلغت فيها المخطوطات الأصلية نحو ١٤٢٤٦ مخطوطا و٢٥ ألف كتاب من المطبوعات النادرة وتشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
٥-مكتبة مصحف المسجد النبوي الشريف/
تعتبر من أهم المكتبات بالمدينة المنورة والتي أنشئت عام ١٣٩١ هجرية- ١٩٧١ م بأمر من الملك فيصل بن عبد العزيز وكانت تقع فوق خوخة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه – وهذه المصاحف مخطوطة بالقلم مذهبة الحواشي. بلغ عددها نحو ١٨٧٨ مصحفا و٨٤ ربعة قرآنية أوقفها مسلمون من أنحاء العالم الإسلامي على المسجد النبوي الشريف ، وهي ذات قيمة أثرية وتاريخية كبيرة . ومنها المصحف الكبير طوله متر ونصف وعرضه نحو المتر ، مكتوب على ورق غزل بخط النسخ ومترجم بالفارسية ، كان قد أهدى من أحد الشاهات العجم الى الحجرة النبوية الشريفة، ويقال أنه طبق المصحف الذي أرسله سيدنا عثمان بن عفان إلى بلاد فارس. كما تضم مصحف سليم اغا مخطوط بالنسخ بتاريخ٨٨٩ هجرية ،ومصحف مؤرخ سنة ١٥٠ هجرية زمن الخليفة العباسي الهادي بن المهدي مكتوب بثلاثين صفحة فقط.
كما تحتوي المكتبة على العديد من الخزائن المصدفة والشمعدانات الصفراء التي كانت تستخدم لإنارة الحرم قبل دخول الكهرباء وكذلك نماذج من فتائل الزيت وقطع من ستارة الكعبة المشرفة، وزينت جدرانها بستائر مخطوط عليها آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بخط أمهر الخطاطين منهم خطاط الحرم عبدالله زهدي – رحمه الله – و٣٦ ستارة ذهبية كتب بعضها بخط الخطاط مصطفى راقم استاذ السلطان محمود ، و زين سقفها بالنجفات البلورية ، ونوادر المخطوطات والمتعلقات والخزائن البديعة الصنع والثمينة الخامات من العاج والفضة والنحاس وخشب الأبنوس ، والمباخر والشموع واللوحات والسجاجيد الأثرية التي كانت تُهدى من أولي الطول للحجرة النبوية الشريفة، والتي تدل على البعد الثقافي لهذه الفنون الجميلة المتقنة الصنع وهذا التقدير لمقام المسجد النبوي الشريف.
٦- مكتبة السيد حبيب محمود /
أنشأها بحياته وعني بها عناية فائقة، وبعد وفاته رحمه الله أنشأ أبناؤه لها مبنى خاص قرب جبل أحد بتصميم مستمد من الحضارة الإسلامية ، وتضم العديد القاعات و العديد من المراجع والمخطوطات وأمهات الكتب خاصة المتعلقة بتاريخ المدينة المنورة والذي اهتم بدعوة العلماء والباحثين لوضعها و التي طبعها على نفقته الخاصة .
٧- مكتبة مركز بحوث و دراسات المدينة المنورة /
وضع نواتها الدكتور عبد الباسط بن عبد الرزاق بدر وتولى إدارتها في بداية نشأتها .
و يساهم المركز بطباعة العديد من الكتب والدراسات والأبحاث المتعلقة بتاريخ المدينة المنورة و المواقع التاريخية فيها والوثائق التاريخية و ترجمتها وأعلامها ومعالمها و منها (التحفة اللطيفة في معالم المدينة الشريفة) و (عرف الطيب في أخبار مكة ومدينة الحبيب) و (فهرس مخطوطات مكتبة المسجد النبوي الشريف ) وغيرها الكثير .
٨- مكتبة العلوم والفنون والآثار/
بدأ الشيخ جعفر فقيه بجمع مكتبته الخاصة منذ العام ١٣٦٠ هجرية١٩٤١ م ،والتي احتوت العديد من أمهات الكتب و المخطوطات و أوائل الدوريات العربية والخرائط والصور الفوتوغرافية لأعلام وأعيان المدينة المنورة على مدار قرن ، و كذلك المجسمات الهندسية للمنشآت والأحياء القديمة والمساجد بالعالم الاسلامي والتحف والمتعلقات الأثرية وبلغ عددها نحو ١٥٠٠٠ مادة .
وكان لها الفضل في استفادة الكثير من الباحثين وطلبة العلم من محتويات المكتبة و أشادوا بها في ابحاثهم ودراساتهم . ومع توسعة الحرم النبوي الشريف انتقلت المكتبة الى موقع جديد بحي الازهري.
٩- مكتبة الإخاء الحجازية ( مكتبة الفقيه )/
أسسها الشيخ جعفر ابراهيم فقيه عام ١٣٤٩ هجرية ١٩٣٠ م وكانت تقع أمام باب الرحمة أحد أبواب المسجد النبوي الشريف من الجهة الغربية ،وأرسى صاحبها أسلوب التبادل الثقافي في مجال النشر والكتب مع مكتبات مصر ولبنان وخاصة المتعلقة بالسيرة النبوية والتاريخ والتراجم واللغة والأدب، و أعاد طباعة العديد من الكتب والمراجع مع الزيادات بالرسومات والشروحات مثل كتاب ( خلاصة الوفا في أخبار دار المصطفى )للسمهودي الى جانب عدد من كتب التاريخ لبعض علماء المدينة المنورة واستمرت حتى بداية التسعينيات الهجرية .
١٠- المكتبة العلمية /
أسسها الشيخ محمد سلطان النمنكاني في الستينيات الهجرية وكانت تقع جوار المسجد النبوي الشريف من الجهة الغربية، واشتهرت بجلب الكتب القيمة والنادرة من مصر والشام والعراق والمغرب والهند ، و كان صاحبها يرحل لتوفير ما يحتاجه العلماء والطلاب من المراجع ، وكذلك اهتم بطباعة كتب تاريخ المدينة المنورة ومنها كتاب (وفاء الوفا في أخبار دار المصطفى للسمهودي )وكتاب (تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة للمراغي ) وكتاب ( التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري ) وكتاب (آثار المدينة المنورة لعبد القدوس الأنصاري) وكتاب (المدينة المنورة بين الماضي والحاضر للشريف إبراهيم العياشي ) والذي يعتبر من أهم كتب تاريخ المدينة المنورة في العصر الحديث ، و تناول فيه تاريخ المدينة المنورة منذ العصر الجاهلي حتى القرن الرابع عشر الهجري ، ووضع فيه خريطة للمسجد النبوي الشريف وطبعه النمنكاني على نفقته الخاصة . ثم انتقلت المكتبة الى حي السيح مع توسعة المسجد التبوي الشريف.
١١- المكتبة السلفية /
أسسها محمد بن عبد المحسن اليماني والشهير ب ( الكتبي ) وكانت تقع في الرحبة التي أمام المسجد النبوي الشريف قرب مكتبة النمنكاني وهي أكير حجما وأكثر انساعا منها وأكثر جلبا للكتب القديمة والحديثة. وكان يقتني الكتب والمكتبات من ورثة بعض العلماء والأدباء ويهتم باقتناء المخطوطات النادرة وغيرها.
والى مكتبتي النمنكاني والسلفية يُرجع عدد من أدباء المدينة المنورة الفضل لهما في تكوين مكتباتهم الخاصة والحصول على الكتب والمراحع الأدبية والتاريخية ، و الترجمات للأدب العالمي . و شبهها الأديب حسين على حسين – ١٣٦٩ هجرية- الذي تفتحت ذائقته الأدبية على ما كان يقرأه من ترجمة للروايات العالمية في المكتبة السلفية الى جانب الكتب الدينية و الأدب العربي والمصاحف بقوله:
“مكتبة مثل الحديقة ، يجد فيها كل قاريء بغيته”
وبعد وفاة اليماني اشتراها أحد تجار الكتب ونقلها إلى الرياض عام ١٤٢٠ هجرية وتبقى القليل من محتوياتها ومقرها الآن بحي الفيصلية جوار الجامعة الإسلامية .
١٢- مكتبة التوعية الإسلامية /
أسسها السيد عبد الله هاشم اليماني المدني أواخر السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري وجعل مقرها حي باب المجيدي قرب المسجد النبوي الشريف جهة باب سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -بلغت مكتبته الخاصة نحو ١٥٠٠ كتاب وحقق مجموعة من كتب الحديث، واهتم ببيع الكتب الدينية والأدبية والتاريخية وطباعة واستيراد الكتب و من أشهر إصداراته ( سلسلة مطبوعات كتب السنة النبوية ١٠ اجزاء) وكتاب ( أنجح المساعي في الجمع بين صفتي السامع والداعي) للشيخ فالح بن محمد الظاهري
و بالإضافة الى هذه المكتبات العديد من المكتبات الخاصة ومكتبات الأربطة والمدارس الأهلية التي ضمت فيما بعد الى مكتبة الملك عبد العزيز
العامة ، كذلك كان الاهتمام كبيرا بالمكتبات الجامعية والتعليم العام التي جعلت في كل جامعة و مدرسة حكومية على مختلف مراحلها منذ العام ١٣٤٤هجرية . وضع لها نظام الإعارة لإثراء ثقافة الطلاب وحثهم على المطالعة ورفع المستوى الفكري والادراكي لهم وإجلال مكانة الكتب وأهميتها .
وكل هذا يدل مدى عناية الدولة و الأسر بالمدينة المنورة بالكتب و بالمكتبات كمورد عذب و كمصدر للعلم والمعرفة ،ولتغذية الروح والعقل والتعرف على مسيرة الحضارات وآداب الأمم وفنونها وفلسفاتها ،وتنمية الحس اللغوي والإبداع المعرفي، وتنمية المهارات وتوسعة المدارك ، فأوقفوها لطلبة العلم والمثقفين -الذين أشادوا بها في أبحاثهم- وأشادوا بنيانها و اعتنوا وأشادوا بمبانيها، وأمنوا لها نظام الحفظ والتدوين ،والانفاق عليها جمعا وتنظيما وحفظا وتوثيقا .
وقد احصى الشيخ ياسين الخياري ٤٦ مكتبة أشهرها مكتبة آل الصافي ومكتبة آل هاشم اللتان تضمان عشرات المخطوطات والمراجع .
وهذا ما انعكس على ثقافة مثقفي المدينة المنورة عبر الأجيال والذين بلغت علاقتهم بالكتب والمكتبات مبلغا حد التفاخر بما تملكه الأسرة أو غيرها من المراجع والمخطوطات والمؤلفات كثروة علمية تتوارثها جيلا بعد جيل لرعايتها وحفطها و تمكين الباحثين من مطالعة محتوياتها
يتبع..
جمال بنت عبد الله السعدي
رئيسة رواق أديبات ومثقفات المدينة المنورة