د. فاطمة زيد الرشود
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على أفصح العرب الذي بعثه الله رحمةً لسائر الأمم، وعلى آله الذين انتهجوا منهجه واقتدوا بهديه ،،
“اقرأ” بها انبلج الضياء ، وأشع الكون بنور الهدى ، وانتثرت عجائب المعارف في أرجائه ، وانتظمت المعالم في أنحائه ، ونحن اليوم إذ نشهد حدثًا تثلج به الصدور ، وتنشرح له النفوس ، فإننا نحتفي بيومٍ تاريخي ، فمقام تدشين المبنى الجديد لمكتبة الحرم المكي الشريف لم يدع مقالاً لقائل ، فقد لملم أطراف الفضائل ، و (كلّ الصيدِ في جوف الفرا) فإذا أنعمنا نظرة وامقة ، وجلنا في لمحةٍ تاريخية ، لوجدنا أن لمكتبة الحرم المكي الشريف العريقة بعدٌ تاريخي ضارب في أغوار المجد ، فقد أنشئت منذ القرن الثاني الهجري في عهد الخليفة العباسي المهدي ، ثم تلتها حقب وعصور ، حتى قيضّ الله لها حقبة زاهرة مرت بها هذه الأرض المقدسة إذ جاءت تسميتها على يد الملك الصالح المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله إبان تسلمه مقاليد الأمور ، وتسنّمه سدّة الحكم ، وإرسائه قواعد الإصلاح ، ثم تلاقحت الأفكار وتلاحقت لتطوير هذه المكتبة فقد شكلت اللجان لتطويرها ، وضخّت الميزانيات الضخمة لتوسعتها وتزويدها بأحدث الإمكانات ، حتى أحرزت مكانة مرموقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود حفظهم الله ووقاهم وأعانهم وسددهم.
وهذا ليس بالأمر المستغرب على حكام هذه البلاد المباركة الميامين ، فما فتئوا يسبغون جلّ اهتمامهم على العلم والرقي المعرفي والثقافي ، لا سيما فيما يخص المدينتين المقدستين ، مكة المكرمة ، وطيبة الطيبة ، وإن الرعاية الكريمة من أمير منطقة مكة المكرمة مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل آل سعود حفظه الله ، وحضوره الكريم ليُساقُ دليلاً دامغًا على هذه العناية وذلكم الحرص ، وتدعيمًا مؤزرًا لهذه الحقيقة التي لا ينكرها حصيفٌ منصف ، فلا غرو أن تحظى مكتبة الحرم المكي الشريف بهذه الحفاوة ، لقد حازت المكانة العلية ، والمنزلة السميًة ، وعلت ذروة الشرف لانتسابها إلى الحرم المكي الشريف ، ولأهميتها غير المسبوقة ، فهي من أهم المكتبات في التاريخ الإسلامي ، وأقدمها في العالم الإسلامي .
وإذ إني شُرفت بإدارة مكتبة الحرم المكي القسم النسائي سابقًا والإشراف عليه، فإن تتويجي بالمباركة والثناء على هذه الخطوة المحمودة ليس محاباةً ولا غلوًا، وسعادتي بحصول المكتبة على ما هي أهل له من التجهيزات الحديثة لا توصف، فقد عاصرتُ السعي الحثيث لتطوير معطياتها، والدأب في سلوكِ دروب التطور والتفوق، لتحقيق الرؤى الطموحة، وقد مهّد لها كرم أصلها، وعراقة أرومتها دربًا لاحبًا صعودًا إلى القمة، تكتنفه مشقة ماتعة، شائقة مشوقة، ويقدح زناده علو الهمة والإصرار على بلوغ النجاح.
ويسرني أن أزجي التهاني المعطرات باسمي وباسم منسوبات الإدارة العامة النسائية بالمسجد الحرام لمعالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس حفظه الله على هذا الإنجاز العظيم الخالد، وأشيد بحرص معاليه على رعاية العلم وطلابه، وتيسير السبل المعينة لهم على الجدّ في البحث والطلب، وإضاءة مصابيح المعارف في مشاكي الاجتهاد، وتشجيع العلماء وأرباب الفكر على بثِّ نتاجهم. و هذه الخطوة جاءت إدراكًا لمكانة مكة المكرمة قبلة المسلمين ومحط أنظار العالمين العربي والإسلامي ، حيث غدت موئل الباحثين والباحثات وموردهم ، ومحط رحال رجالات العلم وجهابذته ومعقلهم ، يلقون عصا التسيار في البلد الطاهر وينهلون من أوعية العلم الباهر ، وفي هذا اليوم تزدهي مكتبة الحرم المكي بحلتها القشيبة وتزدان بوشيها المنمنم ، زاخرة بعيون الكتب ، مشتملة على أندر المخطوطات التراثية التليدة ، والمصنفات العلمية الفريدة ، مطبقة أحدث طرائق البحث ، وأساليب الأرشفة والإعارة والتصنيف والتبادل والإهداء ، مسخرة التقنية الحديثة في خدمة طلبة العلم والباحثين والباحثات ، مشرعة أبوابها للزائرين والزائرات من سائر الأمصار ، ومختلف الأقطار . وهذه الريادة لهي دليل أبلج على تعزيز رسالة الحرمين الشريفين العلمية والدعوية، وتشكيل منظومة الخدمات التوجيهية والإرشادية والتعليمية المكللة بالتوفيق والتقدم والرفعة بإذن الله.
وختامًا فأبلغ الثناء وأجزل الجزاء وأعظم الوفاء ، هو الدعاء : اللهم احفظ بلادنا بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية ، واحفظ ولي أمرنا وقائد مسيرتنا وراعي نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ، سلمان الإنسان سلمان الحزم والعزم سلمان العلم والعدل وولي عهده صاحب السمو والسيادة والرفعة والريادة سمو الأمير الملكي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ومستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وأدم بمنّك وفضلك نعمة الأمن والأمان والعز والاستقرار والرخاء والتمكين .
د. فاطمة بنت زيد الرشود
المستشارة للشؤون النسائية
المديرة العامة النسائية بالمسجد الحرام