د. ربيع حسين
القراء الأعزاء ، لا شك أن الكلام الذي يصدر عنا له دور كبير فيما يحدث في حياتنا أو حياة المحيطين بنا ، ولذلك “لازم تاخد بالك من كلامك” ، وفي السطور التالية أوضح لكم بعض أشكال الكلام الذي يصدر عنا ، وذلك من خلال القصة الافتراضية التالية :
قالت السيدة (س) للسيدة (ص) : لي خمسة سنوات متزوجة من زوجي ولم أنجب منه حتى الآن ، وقد قمنا بالفحص الطبي ، وأوضحت النتائج أن زوجي يعاني من ضعف الخصوبة (تشوّه الحيوانات المنوية) ، ولذلك أنصحك بعدم الزواج من ابن عم زوجي فهو غالبًا يعاني من نفس المرض ، كما أرى أن زوجي كان يجب عليه أن يقوم بهذه الفحوصات قبل زواجه ، كما يجب على كل شاب أن يقوم بهذه الفحوصات قبل الزواج حتى لا تعاني زوجاتهم ، وأرى أيضًا أن الرجال من هذه العائلة حتى لو أنجبوا سوف يعاملون أبنائهم بشكل سيىء …
تعالوا بنا نحلل كلام السيدة (س) واحدة واحدة …
الفقرة الأولى : لي خمسة سنوات متزوجة من زوجي ولم أنجب منه حتى الآن ، وقد قمنا بالفحص الطبي ، وأوضحت النتائج أن زوجي يعاني من ضعف الخصوبة (تشوّه الحيوانات المنوية) ، كل هذه تسمى حقائق (facts) معلومات حقيقية مبنية على وثائق أو فحوصات قياسية لا تختلف حسب الاجتهاد أو التأويل الشخصي .
الفقرة الثانية : ولذلك أنصحك بعدم الزواج من ابن عم زوجي فهو غالبًا يعاني من نفس المرض ، هذا الكلام يسمى استنتاج ، وهو ربط بعض المعلومات ببعضها والخروج بنتيجة مبنية على خبرات غير مباشرة ، فالسيدة (س) ليس لديها خبرة مباشرة مع ابن عم زوجها فهى لم تتزوجه ، ولكن لديها خبرة مباشرة مع زوجها استنتجت من خلالها بشكل غير مباشر نتائج معينة عن ابن عم زوجها .
الفقرة الثالثة : كما أرى أن زوجي كان يجب عليه أن يقوم بهذه الفحوصات قبل زواجه ، كما يجب على كل شاب أن يقوم بهذه الفحوصات قبل الزواج حتى لا تعاني زوجاتهم ، هذا الكلام يسمى رأي ، وهو اجتهاد يخرج في صورة توجيه أو نصيحة ، ناتج عن خبرة مباشرة ، فالسيدة (س) قد ذاقت ألم التجربة بشكل مباشر ، فهى تقوم بالنصح والتوجيه حتى لا يتكرر نفس الألم مع غيرها .
الفقرة الرابعة : وأرى أيضًا أن الرجال من هذه العائلة حتى لو أنجبوا سوف يعاملون أبنائهم بشكل سيىء ، هذا الكلام يسمى ظن ، لأنه عبارة عن اجتهاد غير مبني لا عن تجربة مباشرة ولا عن تجربة غير مباشرة ، فزوجها لم ينجب أصلًا وهى لم تر كيف يتعامل مع أطفاله
هذا التقسيم يغطي جميع مجالات الحياة ، فالناس يختلف حكمهم على الأمور من خلال تجاربهم وخبراتهم المباشرة وغير المباشرة
وللتوضيح أضرب المثال التالي ، طفل ولد في أسرة فقيرة ، يعانون من الحر في الصيف ، وفي يوم من الأيام اشترى والده مروحة كهربائية ، فرح بها جدًا “الله .. صار عندنا مروحة .. راح الحر خلاااص” ، كبر هذا الولد ودرس الفقه الإسلامي وصار فقيهًا ، جاءه في يوم من الأيام رجل يسأل ، “يا شيخنا .. أنا رجل فقير .. لا أملك حتى ثمن فاتورة الكهرباء .. فهل استحق الزكاة” ، فرد عليه الشيخ قائلا “إيش الأجهزة الكهربائية في بيتك” ، قال الرجل “يادوب .. غسالة وثلاجة ومكيفين” ، فيرد عليه الشيخ “أرى أن المكيف ليس من ضروريات الحياة .. أن لا تستحق الزكاة”
وعلى جانب آخر .. طفل ولد في أسرة غنية ، لا يعانون من شيء ، فالبيت متخم بالأجهزة الكهربائية ، التكييف بارد في الصيف .. حار في الشتاء ، كبر هذا الولد ودرس الفقه الإسلامي وصار فقيهًا ، جاءه في يوم من الأيام رجل يسأل ، “يا شيخنا .. أنا رجل فقير .. لا أملك حتى ثمن فاتورة الكهرباء .. فهل استحق الزكاة” ، فرد عليه الشيخ قائلًا “إيش الأجهزة الكهربائية في بيتك” ، قال الرجل “يادوب .. غسالة وثلاجة ومكيفين” ، فيرد عليه الشيخ “أرى أن هذه الأجهزة من ضروريات الحياة .. أن بالفعل تستحق الزكاة”
وهكذا .. فالخبرات الحياتية التي نمر بها منذ نشأتنا .. تؤثر أيما تأثير في آرائنا واستنتاجاتنا والظنون التي تتبادر إلى أذهاننا .
وفي الختام ، عزيزي القارىء انتبه لما يصدر عنك من كلام ، واسأل نفسك .. هل هم حقائق أم رأي أم استنتاج أم ظن ؟؟ بس كدا … حياكم الله .
ملحوظة : الكلمات العامية ، أسوقها من قبيل المرح والفكاهة والتوضيح ، ولا أراعي فيها قواعد العربية الفصحى .