محمد الزحيمي
الطالب العسكري ماجد بن نادر العبدالعزيز حين خرجت منه تلك العبارة وهو يرد بتأدب على حاجة من الجنسية العربية مدت له بمكافأة مالية لما -رأت من الجهد الذي يبذله في تنظيم الحجاج والحرص عليهم-لم يكن في قاعة اختبار ليدرك أنها قد تكون درجة في سلم العبور والنجاح !ولم يكن في لقاء تلفزيوني لتستجر قريحته عبارات كتب التدريب!
بل كان تحت ضغط العمل،وكثافة الحجيج، وشمس الهاجرة حين إنطلقت تلك العبارة بكل عفوية”هذاواجبي..ياحاجة”.
ماذا لوكانت تلك المرأة الحاجة مدت بذلك المال لغير ماجد ؟ ماذا لو كان زميله الذي يظهر في الصورة بجواره؟ هل كان ليرفض؟
نعم وألف نعم ! كان سيرفض قبول المال من الحاجة كما فعل ماجد! نحن لا نعلم النوايا، لكننا نثق في أخلاق وأفعال الرجال في أجهزتنا الأمنية.
والذي شاهد المقطع يرى ردة الفعل لزميل ماجد الواقف بجواره وهو يعين ماجد في الانشغال بالاهم والإنصراف عن “الحاجة” بكل تأدب .
قلة قليلة من غير أبناء هذا الوطن سيستوعب رفض ماجد أخذ المال من الحاجة!
قلة قليلة ستعي أن أبناء المملكة العربية السعودية هم أبناء لأسرة مضيافة اكرمها دونا ً عن كل البشر بشرف خدمة ضيوفه ورعايتهم ، فحمل أبناؤها هذا الشرف حتى أصبحت خدمة ضيوف الرحمن جيناً في خلقهم ، جيناً في أفعالهم، جيناً حتى في ردة فعلهم عندما يتعلق الأمر بخدمة الحجيج .
” هذا واجبي يا حاجة” ليست مجرد عبارة عابرة نطق بها طالب عسكري متدرب، يشارك في شرف خدمة الحجيج لأول مرة، بل هي إنعكاس لصورة أكبر،شطر من معلقة طويلة لمكارم الأخلاق ،فتحت أبصار أبناء هذا الوطن عليها، فحفظوها في خلجات الروح قبل أن ترددها شفاههم،رضعوها من أثدى أمهاتهم،وضموا عليها الجوانح وصية من آبائهم .
“هذا واجبي ” عبارة سيسمعها كل حاج وفي كل مكان في هذا الوطن العظيم ،سيسمعونها في حالة عمار،وفي الحديثة،والوديعة،وأم الزمول،والرقعي ،والخضراء، وعلب، والوديعة، وستردد معها المطارات والموانئ من عبدالعزيز إلى المدينة.
“هذا واجبي” إنها إحدى عبارات إستحقاق شرف الضيافة في خير الزمان، بأعظم مكان ،لكل الملبين لدعوة الرحمن.
لذا لاعجب عندما يرفض طالب عسكري متدرب مكافأة من حاجة أرادت أن تكافئه نظير ما رأت منه من جهد وحرص على توجيه ورعاية الحجاج بموقعه.
ربما أبهرها وهي ترقبه بقلب الأم الذي تحمله التفاني والحرص والشغف من شاب في مقتبل العمر في خدمة الحجيج ! لكنه ربما فاتها أن ماجد ماجاء هنا لنيل المكافآت والثناء ، وليس دافعه العمل ! بل الواجب ما دفعه لما ابهرها!
نعم الواجب، فالعمل يكون لمقابل تتحصل عليه بعد إنتهاء فترة العمل، أما الواجب فهو نظير شرف أو مكانة أو هبة اعطيتها مسبقاً .
إن شرف أن يجعلك الله ممن يقومون على خدمة خاصته من الضيوف،شرف لا يعدله شيء على الأرض،أمر ليس بالتسابق أو بالسعي في طلبه، بل هبة ربانية وشرف عظيم يعطيهما الله لمن يشاء من عباده.
وعندما جعلنا الله -في سابق علمه- من أهل هذه البلاد نلنا هذا الشرف العظيم في خدمة الحجيج،وعندما هيا الله لهذه البلاد من يحكمها بشرعه، ويعظم مقدساتها ويرعاها .
كان رحمة منه سبحانه وتعالى وتوطيداً لضيوفه المجيبين لدعوته من كل أصقاع الأرض ، فهاهي دولتنا تجند كل إمكاناتها، وتنفق مما أنعم الله به عليها من الخيرات -بغير منة- لأجل راحة وسلامة ضيوف الرحمن،وما يكاد ينتهي موسم حج إلا وعُدتْ العُدة وهُيئت الأسباب للذي يليه، توسعةً وتحديثاًً وتطويراً،لا لشيء إلا إستشعاراً لعظم المسؤولية وسعياً لنيل رضا الله الذي وهبها هذا الشرف العظيم.
فها هو رأس السلطة وعمادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود،وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله ورعامها- يقضيان يوم الترويه بأكمله يرقبان الحجيج في مشعر منى، ويتابعان التصعيد لمشعر عرفة والعودة منها،وها هم الوزراء والأمراء وكل المسؤلين بالحكومة يسيرون بين الحجيج يتلمسون رعايتهم وراحتهم.
بوركت يابلاد الخير. …سلمت يأرض الطهر…دام عزك وشموخك ياوطني ، ورحم الله مؤسس هذا كيان الخير هذا المغفور له -بإذن الله تعالى-الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود،وأبنائه الملوك البررة من بعده،على ما قدموه في خدمتهم لضيوف الرحمن .
وحفظ الله لنا ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وهذه الأسرة الكريمة “آل سعود” وادام عزهم ،ووفقهم لما نذروا أنفسهم له من عمارة بيته العظيم ،والقيام على أمر مقدساته ،وخدمة ضيوفه زوار بيته المعظم حجاجاً أومعتمرين .
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
علي الناشري
14/08/2019 في 8:24 م[3] رابط التعليق
أخلاق ليست مستغربه من رجال الأمن ومن ابناء هذا الوطن سوا في خدمه الحجيج او قاصدي بلاد الحرمين لغرض زياره او عمل وشهاده من قلم استاذ كبير مثل الاستاذ محمد الزحيمي تعتبر وسام صدق ووفاء في بلاد لها سلمان خادم للحرمين حفظه الله
مقبول الزيلعي
15/08/2019 في 1:10 ص[3] رابط التعليق
ان استخلاص العمل لله سعاده لا يدركها الا من يخوضها في ارض الواقع هذا دليل من شخص واحد لكن انظر الى زملائله الباقين منهم يحمل على ظهره حاجا ومنهم من يمسح على راس شيخا كبير في السن ومنهم من يساعد مسنا .. والامثله على استشعار عمل الخير في اماكن فاظله في زمن فاضل
علي السرحاني
15/08/2019 في 2:14 ص[3] رابط التعليق
الكل سيرفض أخذ المال
انت استاذي لم تكتب للموقف بل كتبت مشاعر ابناء هذه البلاد تجاه مقدسات لله خصنا بها
دونما غيرنا
فالتوفيق نراه من الله كفأ لما تبذله هذه البلاد شعبا وحكومة لتلك المقدسات و ضيوفها.
لا عدمنا حبر قلمك الذي يسطر لنا روائع ما تحمله من ثقافة وفكر كاتبنا.
استغفرالله.
15/08/2019 في 1:47 م[3] رابط التعليق
قراءه ممتعه من كاتب رائع وملهم،ماشاء الله بارك الله