قروي في مكة تأملات ثقافية محاضرة قيمة أقامها المنتدى الثقافي للشيخ محمد صالح باشراحيل رحمه الله قدمها الأستاذ الدكتور محمد ربيع الغامدي أستاذ اللغويات بجامعة الملك عبدالعزيز مساء يوم الثلاثاء 2 صفر 1441هـ الموافق 1 أكتوبر 2019م .
بداية اللقاء كلمة ضافية القاها رئيس مجلس إدارة المنتدى الأديب الشاعر الدكتور عبدالله محمد باشراحيل جاء فيها
سأخرج هذه الليلة من دائرة محاضرنا اللغوية وهي تخصص المحاضر إلى دائرة الفن العام واللغة هي التي تشكل الفنون
— التحول بين الفن الأخلاقي الإنساني والفن التدميري العسكري في الفكر العصري الواقعي
لن ندعي جزافًا ولن نبالغ إدا قلنا أن منابر الفن بكلّ أنواعه وتشكيلاته وصوره المتعارفِ عليها في الشعر وهو راس الفنون والقصة والدراما والرواية والمسرحية والرسم والنحت والنثر وغير ذلك من الفنون قد تضاءل وخبا صوتها في العالم وأكاد أجزم أن تلك الفنون قد تأثرت شكولها وتلبست أشكالًا تنضوي تحت اسم الفنون السياسية والعسكرية فنرى أن لغة الفنون ومذاهب ومدارس ما اصطلح عليه فنا إنسانيًا قد تبدل من الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والتجريدية والبرناسية وغيرها من المذاهب الى مذاهب يمكن أن نسميها من خلال تطبيق أسماء الفنون بأنواعها ومصطلحاتها لتكون ذات المصطلحات و التسميات إنما هي الآن تأخذ معايير نفردها ونسقطها على فروع الفنون لتكون هي الحداثة الجديدة أو إذا تجاوزنا قلنا أنها نظرية عسكرت السياسة اذا طبقناها على مختلف الفنون لنقول اليوم الشعر السياسي او القصيدة العسكرية والقصة والرواية السياسية والرسم والتصوير والنحت العسكري المأساوي الذي يصور القتل والدمار الذي لحق بالإنسان والأوطان في عصرنا الراهن
كل الفنون التي كانت مثارًا وغاية للأخلاق انسحب عليها الإبداع في تصنيع السلاح القاتل للفضيلة والإنسانية وتقزم وتشرذم الفن ليس في الوطن العربي فحسب ولكن في العالم الإنساني كُلِّهِ وتبدلت أسماء أساطين الفنون الإبداعية الى أسماء فرضتها الحالات الواقعية لأمراء الحروب وصناعها وقادتها فأضحى الشعرُ مزيجًا بين القنبلة والصاروخ والدبابة والرشاش والطائرة الحربية هذا هو عصر الفن الحربي إبداع في تصنيع آلة الدمار الكوني ليس للفنون الأخلاقية بكل وصوفها وأشكالها وأنواعها وأسمائها إلا التطبيق على موادها فنقول الشعر الحربي القصة والرواية الحربية الرسم والنحت والتصوير الحربي وقس على ذلك تطبيقا على مجامع الفن فقد تحجم الفنُّ بكل أنواعه وخفت صوتُهُ بل يكاد يصبح من أساطير الأولين ليحل بديلاً عنه الفنُ الحربي والسياسي والفكر التنظيري لنوازع السيطرة والاستبداد والاستئثار الخاضع لفنون وإبداعات القوة كما ذهب نتشيه الفيلسوف الإلماني
لذا يموت الفن الأخلاقي الإنساني وأربابه ويصبح شيئاً من الذكريات وضرباً من نوافل التسلية يتندر به أهل الفراغ الوقتي ليقولوا كان هناك تراثاً في أمم عاشت على ترف الخيال الفكري في زمن قيل عنه زمنُ الفنون كما نتذكر ونتذاكر العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي والعصر العباسي وماتلاها من عصور فنية إلى أن أتى هذا العصر الذي نعيش فيه فن الإبداع العسكري الدموي ولم يعد ثمة رابطٍ بين الفنون الأخلاقية والفنون الجديدة التدميرية وأرى أن يقنن للفن الإحترابي الجديد شكوله ومذاهبه وأنواعه حتى يتطابقَ مع واقعه المعاصر حين نسجله إبداعاً مختلفاً ومخالفاً لناموس الفكر الخلاق نُدونه تاريخا إبداعياً بتفوق وقدرة في تدمير الفكر الخلاق لكرامة وحياة الانسان واعتبار الفكر الإبداعي هو الذي يقوم على تدمير الإنسان والسيطرة والاستبداد وانتهاب جمال النفس والأرض وتحويله الى فكر عسكري صرف يقوم على قتل وإذلال واستعبادِ القويِّ للضعيف تلك هي الحقيقةُ التي نحاول ان نصوِّرَها بالحب والجمال والخلق للخروج من أزماتنا النفسية ولكنها مغايرة لحقائق الواقع الأرضي الذي تجسدت فيه شرائع التوحش الفني للغابة الخلقية فسلام على الفن الأخلاقي في الأولين والآخرين ورحم الله زمان الفن الذي كان يسعى إلى خيرية الإنسان والحياة
بعد ذلك تحدث المحاضر معربًا عن شكره وامتنانه لدعوة المنتدى الذي هو واجهة وأيقونة للمنابر الثقافية في مملكتنا ومايقدمه من حراك ثقافي وفكري مميز
وهذه المحاضرة حددت لها ثلاثة محاور
العمل والاحتفال والتدين
وما صاحبها من تغيير ماقبل ومابعد تاريخ ١٤٠٠ والأنماط الاجتماعية التي كانت وذابت في حياة القرية وأهلها
بينما نجد هذه المرتكزات الثقافية في مكة لم تتغير بل استوعبت كافة التحولات الثقافية
وبالإمكان الرجوع إلى موسوعة مكة الجلال والجمال التي أصدرها منتدى الشيخ محمد صالح باشراحيل للتعرف والاطلاع على أهم الظواهر الأدبية والحياة الاجتماعية التي تأثر بها المجتمع المكي
وقد أجاد الأمير الشاب الطموح صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله والذي أكد على عودة المجتمع لما كان عليه من وسطية واعتدال
هذا وقد أثارت المحاضرة العديد من المداخلات والتي شارك فيها
الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي
الأستاذ عبدالله الناصري
والأستاذ الدكتور عالي القرشي
والأستاذ محمد ربيع الغامدي
والأستاذ الدكتور عبدالحكيم موسى
والأستاذ محمد الزهراني
والدكتور نايف الحارثي
والأستاذ الدكتور أحمد سابق
وقدم الشاعر سفر العتيبي قصيدة يشيد فيها بالمنتدى
وفي الختام قدم الدكتور عبدالله باشراحيل درع المنتدى للضيف وهدية خاصة قدمها نائبه المهندس تركي باشراحيل
قدم اللقاء وأداره الأستاذ مشهور الحارثي مدير المنتدى.