عندما يولد المرء ضعيفا بين أقوياء فيكون ضعيف الحجة أمام حجتهم، جاهلا أمام علمهم، فوضويا في قراراته أمام تنظيمهم. وبناء على كل هذا، فإن جميع إخفاقات أولئك الأقوياء تعزى إلى ذلك الشخص الضعيف، حيث يكون المبرر لتلك الإخفاقات والنكسات، فالإرهاب والجهل والمرض مصدره المجتمع الضعيف وليس القوي!!. وعلى هذا، فعلى كل شخص أن ينهض بنفسه، ويرتقي بمعارفه ومداركه، فلا شيء يصنع الفرق بين القوي والضعيف، والجاهل والعالم، والفوضوي والمنظم إلا الرغبة والطموح والعمل. عندما نشعر بضعفنا، فإن ذلك ينعكس على انخفاض معنوياتنا، فنشعر بالضياع وعدم الأمان، ونفسر كل نقد يوجه إلينا على أنه نقد شخصي أو عنصري، يستهدف إيذاءنا وتكدير خواطرنا، ولا نفكر أن هدفه شحذ همننا، لاستدراك وضعنا.
الخوف من خوض غمار المنافسة والتقدم سيجعلنا في الموقع نفسه لا نتجاوزه، ولكن بمقدار علمنا ومعرفتنا سينحسر خوفنا وضعفنا. وكما هو معلوم، فإن شدة الحاجة للغذاء والدواء والملابس والسيارات والطائرات والسلاح تتنامى مع شدة الجهل، وتتسبب تلك الحاجة في أن يظل ذلك الشخص موضعا للاستغلال والتنمر من الأقوياء. وإذا أراد أولئك الأقوياء إعانة الضعيف فليس بإعطائه الفتات، وإثقال كاهله بالديون، ولكن بمساعدته على اكتشاف ذاته وتنمية قدراته، والاستفادة مما لديه من خصائص ومزايا، وهذه أولى الخطوات للمضي قدما على طريق النهضة والحضارة.
عندما نشاهد ما يحدث بالدول التي أنهكتها الحروب الداخلية، وفتك بها الجوع والجهل والفساد، على الرغم من التدخل الخارجي وسيطرة الأحزاب على المشهد كاملا، نكتشف أن الفشل الذي تعانيه تلك المجتمعات هو فقدان الحماس الداخلي من أجل النجاح، وتجاوز الإخفاقات، وتغيير الواقع المؤلم إلى مستقبل أكثر إشراقا.
معظم الأمم التي تطورت، وأصبحت دولا عظمى يشار إليها مو التي نزفتها، لأسباب هي مدعاة للسخرية والتندر الآن. المجتمعات الضعيفة هي من تصنع أحزانها بنفسها، فالرضا بالواقع وعدم محاولة تغييره أو الخروج منه هو أحد أهم أسباب انكسار وتأخر تلك المجتمعات. ونقول لهذه المجتمعات: تذكروا جيدا مهما ساءت الظروف، فستظل هناك مئات الفرص لتحسين الوضع والخروج من حالة التأخر. كل مجتمع مهما تعرض لصدمات ونكبات، تظل في خفايا عقله وصدره إمكانات هائلة نحو المضي قدما، والخروج من النفق المظلم إلى مجالات السمو والتقدم.
التحديات التي تواجه تلك المجتمعات ليست التحديات المباشرة التي يلمسها الجميع مثل الجوع والفقر والجهل، ولكنها التحديات غير المباشرة وغير المرئية، التي تكمن في المتسبب في تلك الإخفاقات، أو لنسميه «المستعمر الخفي»، الذي تظل مصلحته الكبرى في إذلال وإخفاق تلك المجتمعات.
وعلى هذه المجتمعات أن تعرف جيدا أن الأعداء لا يدخلون إلى بلدانهم إلا إذا فتحت الأبواب لهم من الداخل، وذلك من خلال الأحزاب التي يظل ولاؤها للعدو الخارجي، وضعاف النفوس الذين يكون مبدؤهم المال أولا والوطن ثانيا.