خطب وأم بالمصلين بالمسجد النبوي، اليوم الجمعة ، الشيخ الدكتور أحمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وقال : إن من أعظم خلال الدين، وأجل صفات عباد الله الصالحين الحياء، فهو يبعث على التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، والحياء حياة القلب وأنفاس الروح،فمن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، وهو معدن الأخلاق الفاضلة، والأحوال الكاملة، والخير إلى الحيي، كالسيل من العلي. قال صلى الله عليه وسلم: “الحياء لا يأتي إلا بخير”، وقال: “الحياء خير كله”.
وما اتصف به إلا من كمل عقله وحسن أدبه. وحياء البشر كلحاء الشجر، إذا انتزع فسد وأفسد ولم يكن له إلا الاجتثاث، وهو شعبة الإيمان وآية وجوده في الجنان، قال صلى الله عليه وسلم “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”، وقال: “إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء”.
وأكمل : ما خرج أحد من الحياء إلا إلى البذاء، قال صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار”.
ومن جُبِل على الحياء، جُبِل على محبوب لله رب العالمين، فكان أهلا لمحبة الله.
وأضاف: اكتساب الحياء بمعرفة الله وعظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولا زينة للرجال والنساء كزينة الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: “ماكان الفحش في شيء الا شانه، ولا كان الحياء في شيء إلا زانه”.
وأكمل : ولولا الحياء من الخالق أو الخلائق، لم يُقر ضيف ولم يوف بوعد، ولم تؤد أمانة ولم تقض حاجة، ولا تحرى المرء الجميل فآثره، ولا القبيح فجانبه، ولا ستر له عورة ولا امتنع من فاحشة.
وتحدث فضيلته عن حياء الله فقال: الحياء صفة من صفات الله عز وجل، تليق بجلاله وكماله سبحانه، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فحياؤه لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال.فهو سبحانه حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام، فسبحان من يذنب عبده، ويستحيي هو. ومن استحى من الله استحى الله منه. والحياء من الله تعظيم جنابه، وتقديم محابه، واجتناب مساخطه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استحيوا من الله حق الحياء” قلنا يا رسول الله: إنا لنستحيي ولله الحمد. قال: “ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء”. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذاكره شيئا عرفناه في وجهه”
واختتم فضيلته الخطبة قائلاً: لما مرضت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- مرض الموت الذي توفيت فيه، دخلت عليها أسماء بنت عميس-رضي الله عنها- تعودها وتزورها فقالت فاطمة لأسماء: والله إني لأستحي أن أخرج غدا (أي إذا مت) على الرجال جسمي من خلال هذا النعش، وكانت النعوش آنذاك عبارة عن خشبة مصفحة يوضع عليها الميت ثم يطرح على الجثة ثوب ولكنه كان يصف حجم الجسم، فقالت لها أسماء: أو لا نصنع لك شيئا رأيته في الحبشة، فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق ودعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت على النعش ثوبا فضفاضا واسعا فكان لا يصف، فلما رأته فاطمة قالت: سترك الله كما سترتني.